قبل ما يزيد على أربعة أشهر، خرج إلى النور إعلان تدشين "الهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية للشعب المصري"، التي ستعمل على تأسيس الجمعية الوطنية، لتكون كيانًا ثوريًا جديدًا جامعًا للثورة ومعبرًا عنها في الداخل والخارج. غياب شخصيات إخوانية بارزة عن ذلك التشكيل، وعدم تبنيهم الفكرة، لاقى تضاربًا في المواقف حول الآليات التي ستعتمد عليها "الجمعية" في معارضة النظام الحالي. وتباينت ردود الأفعال حول موقف الإخوان من الجمعية بين التأييد والرفض، إلا أنه لا يبدو أن هناك تأييدًا ملموسًا لعملها، من جانب "الجماعة"، التي تمثل أكبر الكيانات المعارضة للنظام الحالي لهذا التشكيل رغم تأسيسه من قبل شخصيات معروفة بقربها من جماعة الإخوان. وبعد الإعلان عن تدشين الهيئة التحضيرية للجمعية، بأيام قليلة، خرجت تصريحات محسوبة على القيادات التاريخية للجماعة، وجبهة القائم بأعمال المرشد محمود عزت، تشكك في دورها، وبأنها "ستتنازل" عن "شرعية" الرئيس الأسبق محمد مرسي، المحسوب على "الإخوان". وفكرة "التنازل" عن "شرعية مرسي"، قد تبدو صادمة لقطاع كبير من الإخوان، لاسيما أن الجماعة ترى أنها دفعت من دماء أنصارها وحياتهم مسئولية الأوضاع الراهنة، في ظل التزامها بعدم التراجع عن موقفها فيما يخص "شرعية" مرسي. وغصَّت أحاديث مؤسسي الجمعية في أغلبها بتصريحات تلمح إلى أن عملها قائم فقط على جمع أكبر قدر من الحلفاء المعارضين للنظام الحالي، مع عدم الالتزام بموقف "الإخوان المسلمين"، بشأن رؤيتها حول "شرعية" مرسي. وبخلاف تلك التلميحات، خرجت رسائل من داخل أجنحة بالنظام الحالي، تشير إلى مرحلة جديدة في العلاقات بين الأخير والإخوان المسلمين، كان أبرزها حديث المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق عن "عدم تنفيذ أحكام الإعدام بحق مرسي وأنصار الجماعة". والثلاثاء الماضي، صدر قرار قضائي من محكمة النقض بإعادة إجراءات محاكمة مرسي وآخرين في القضية المعروفة إعلاميًا ب"الهروب الكبير"، وهي القضية التي صدر فيها في وقت سابق أحكام بالإعدام طالت مرسي نفسه، وأخرى مؤبدات. يأتي هذا في وقت تحفظت فيها قيادات بارزة علي فكرة الجمعية الوطنية مؤكدًا أن الحرص علي الاصطفاف الوطني بين القوي المؤيدة لأهداف ثورة يناير محل إجماع من الجميع غير أن سعي الجمعية لحشد أكبر عدد من الشعب لدعم أهدافها غير واقعي فضلاً أن السعي لمواجهة السلطة القائمة عبر الحشد يبدو غير مناسب. واستدرك القيادي البارز بالجماعة الإسلامية الذي رفض الإفصاح عن هويته رغم أن طرح الجمعية وعدم تمسكه بعودة الرئيس مرسي يتسم بالمنطق والعقلانية إلا أن تحقيق الجمعية لأهدافها مستبعد كونها تحمل أجندة قريبة من القوي المناهضة للثالث من يوليو بل أنها تضع إسقاط النظام الحالي في مقدمة أهدافه وهو خيار شديد الصعوبة. ونبه إلى أن انخراط الدكتور طارق الزمر داخل الجمعية الوطنية جاء بموافقة من الجماعة الإسلامية الداعمة لفكرة الاصطفاف مؤكدًا أن الخيار الأفضل للقوي المناهضة للثالث من يوليو يجب أن يدور في فلك الاعتراف بالواقع والاستعداد لمعركة سياسية وانتخابية مع النظام لانتزاع ما تعتبره حقوقا وتحقيق أهداف ثورة 25يناير. غير مؤدلجة ثروت نافع، البرلماني السابق، وأحد أبرز المعارضين المقيمين في الخارج، أوضح ل"المصريون"، طبيعة عمل الجمعية الوطنية المصرية، وأسباب تغيب قيادات إخوانية عن تدشينها. وعلى مدار الأشهر الماضي، انضمت أسماء إخوانية كان أبرزها يحيى حامد، وعمرو دراج، إلى توقيعات البيانات المعارضة، التي تصدرها الأسماء الموجود في قائمة الجمعية الوطنية المصرية، غير أنه كان لافتًا للنظر تغيبها عن تلك القائمة. "نافع" قال إن "الجمعية دشنتها مجموعة ليست على أساس أيديولوجي، أفكارنا مختلفة، ونعمل في المشترك الوطني، وهي مساحة كبيرة، خصمنا واضح، ولا ندخل في صراعات هامشية، أو جدالات جانبية تستهلك طاقة الجميع"، ومتطرقًا إلى سبب تغيب قيادات إخوانية عن التدشين الأول للجمعية، أستبعد نافع وجود خلاف بين الأسماء المطروحة في القائمة وجماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن فكرة الجمعية لا تقوم على فكرة المحاصصة وتمثيل الكيانات. وأوضح: "لسنا خصومًا سوى للنظام المستبد، ولسنا على استعداد لدخول أي معركة مع أي أحد سوى مع هذا النظام، طاقاتنا كلها ستكون في هذه المعركة، وفي هذه المعركة فقط". وأكد: "سنضع طاقاتنا كلها في تجميع الناس من أجل معركتنا مع النظام المستبد في مصر". وشدد على ترحيب مؤسسي الجمعية، ب"سائر معارضي النظام" من الشخصيات العامة ومن آحاد المصريين". وأضاف "نحترم كل الكيانات، لكننا نسعى للتجمع بأشخاصنا بعيدًا عن المحاصصة أو تمثيل الكيانات، بكل ما يمثله الأشخاص من قيم التعدد، ومن تمثيل فكري ونوعي". وتابع نافع: "لسنا ضد أي كيان أو جماعة أو حزب أو تيار، ولكن ما حدث بعد الثورة، وبعد 3 يوليو أن غالبية التيارات والجماعات عانت من بعض المشكلات التي نتمنى حلها، لكنه من الصعب الآن التعامل مع الكيانات بسبب مشكلاتها الداخلية، أو بسبب الظروف الأمنية، و نرحب مع ذلك بالتعاون مع الجميع على قاعدة رفض الحكم العسكري"، مضيفًا: "نمد أيدينا لسائر المصريين، إلا للنظام الحالي وأعوانه". ووصف نافع التسريبات التي تتحدث عن أن سبب عدم وجود شخصيات إخوانية ضمن الجمعية هو الاختلاف على شرعية مرسي، بأنها "إشاعات لا أساس لها ولا أعلم من يروجها" قائلا إن "الأهداف واضحة والكل مدعو". ليست كيانًا بديلاً ولم تختلف رؤية طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، حول دور "الجمعية الوطنية"، مع الرؤية السابقة لنافع، كثيرًا. وقال الزمر ل"المصريون"، إن "الهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية، مجرد خطوة تحضيرية دعا إليها عدد مهم من رموز الثورة وعلى أرضيتها، نحو تحقيق أهدافها ويبقى أن يتفاعل معها كل الأطراف المعنية بالثورة، ويشاركوا في تأسيس يسعى لإيجاد أكبر مساحة توافق يمكنها أن تزحزح الأوضاع الكارثية الحالية التي تمر بها بلادنا". الزمر أوضح، أن المجموعة التحضيرية تمثل أيديولوجيات مختلفة وغير متطابقة في مواقفها السياسية، معتبرًا ذلك مؤشرًا ايجابيا مهما للإمكانيات الهائلة للتوافق المتوافرة في تربتنا وهو ما يؤهل لاستيعاب كل الخلافات والتناقضات في ساحتنا السياسية لصالح أجندة الوطن وأهداف ثورة يناير". وقال إن "الجمعية المزمعة ليست كيانًا بديلاً لأي كيان قائم ولا تسعى لمنافسته بل لإيجاد حالة جديدة توفق بين كل فرقاء يناير وتستفيد من تنوعهم وربما من مواقفهم المختلفة لصالح مشروع رئيس هو مشروع استكمال أهداف يناير وإعادة ترميم الوطن وإنهاء الاستبداد في مصر إلى غير رجعة". أما عن غياب عمرو دراج والوزير السابق يحيى حامد عن بيان الهيئة التحضيرية، لفت الزمر إلى أن "هناك فارق بين البيانات التي كانت تصدرها المجموعة بمشاركتهما، وهذا البيان التأسيسي الأول". وأوضح "هذا مجال وذاك مجال أخر وعلى كل فإن أبواب الجمعية مفتوحة أمام الجميع يشرفها وينميها كل جهد مخلص ويعزز وجودها كل رمز فاعل وكل كيان نشط". سودان يستبعد بدوره، استبعد محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وجود خلافات بين "الإخوان"، ومؤسسة الجمعية. وقال سودان ل"المصريون": "ليس هناك أي خلافات بين الإخوان وأي فصيل سياسي معارض آخر خاصة على شرعية مرسى". وأضاف "أيمن نور ومحسوب وغيره متفقون تمامًا على شرعية مرسي، وأنه يجب أن تكون نقطة البداية بعد كسر الانقلاب هو عودته إلى مكتبه ومكانته كرئيس شرعي للبلاد". أما عن غياب الإخوان عن الجمعية الوطنية، أوضح "هناك العديد من اللقاءات التي تتم داخل أو خارج تركيا تتم بحضور الإخوان، و لكن ليس بالضروري حضور كل اللقاءات، وأكدت الجماعة مراراً أنها تعمل على اصطفاف كل المعارضين". ومضى بالقول: "نحن نعى تماما بعض النقاط التي تحتاج إلى تفاهم بين جميع أطراف القوى السياسية ولكن همنا الأول هو الإفراج عن جميع المعتقلين وإسقاط التهم الملفقة ثم عودة الشرعية والاستقرار للبلاد والانخراط في العملية الديمقراطية". واختتم: "الرأي الأخير للمناصب السياسية هو الاختيار الحر للشعب المصري بكل أطيافه، بشكل حر دون أي ضغوط بشكل أو آخر". وفي أواخر يوليو الماضي، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين على لسان نائب المرشد العام إبراهيم منير، عن رفضها لكيان "الجمعية الوطنية". وآنذاك، قال منير، في بيان صحفي، إنه "من غير المناسب إنشاء كيانات ثورية جديدة في الوقت الراهن". وشدد على "تمسك الجماعة بمكتسبات ثورة يناير التي جاءت بإرادة شعبية حرة، ومنها الانتخابات الديمقراطية التي أتت بمرسي". وتعرف الجمعية الوطنية نفسها عبر فيس بوك بأنها "رابطة عامة لكل المصريين الذين يحلمون بالحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، ومشروعها الوحيد كيفية إنقاذ مصر من حالة الاستبداد والتردي والفساد الذي بتعيشه". وأنها "رابطة كل أصحاب الأفكار وكل أصحاب البرامج وكل من يحمل رسالة إصلاح، بشرط أنه يؤمن إن البداية هي تهيئة الأرض وليس حصد ثمار غير موجودة". أهداف الجمعية وفي مطلع نوفمبر الجاري، دشن معارضون بارزون بالخارج، ما أسموه "الهيئة التحضيرية للجمعية الوطنية المصرية"؛ لتكون آلية معارضة في مواجهة النظام الحالي، والحشد لإسقاطه، وفق ما جاء في البيان. وانتقد المعارضون القرارات الأخيرة للحكومة من تعويم أسعار صرف الجنيه إلى رفع أسعار الوقود، واصفين ذلك ب"سوء إدارة" على حد تعبيرهم، في بيانهم، الذي تلقت "المصريون" نسخة منه. وحمَّل البيان توقيع شخصيات معارضة، مقيمة بالخارج، مثل أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة، وثروت نافع، البرلماني السابق، وحاتم عزام، البرلماني السابق، وسيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، والشاعر عبد الرحمن يوسف، وطارق الزمر، القيادي بالجماعة الإسلامية، ومحمد كمال ومحمد محسوب. ووفق ما جاء في البيان، وجه المعارضون الدعوة إلى "رفع الصوت" بضرورة "رحيل هذه السلطة" التي اتهموها بالإقصاء، واصفين قراراتها ب"الساذجة والمتعجلة التي اتُخذت بعد عملية تمويه مكشوفة". البيان زعم أيضًا أن "التذمر وصل إلى "أشد المؤيدين" للنظام. وذكر البيان أن "النظام تبنى عشرات القرارات المتضاربة والمتعجلة التي لم تؤد إلا إلى تبديد أموال الشعب والتفريط في حقوقه. كما اعتبر أن "جهة غير مختصة" سيطرت على مجالات الاقتصاد كافة فهربت رءوس الأموال وانسد أفق الاستثمار.. وزاد الإنفاق على الملف الأمني وأدوات قمع الشعب". وندد المعارضون بما قالوا إنه "انهيار في قيمة العملة وزيادةً فادحة في أسعار السلع والخدمات الأساسية، واختفاءً لبعضها، وارتفاعًا مخيفًا في معدلات البطالة". وبخلاف الوضع السياسي المتأزم حاليًا، تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة، حيث ارتفعت أسعار السلع الإستراتيجية بصورة غير مسبوقة، مع ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه المصري، حيث وصل في السوق السوداء لما يقارب من 16 جنيهًا، مؤخرًا.