كتب " بودلى " : إن قيمة الأمم والشعوب تقاس بما تنشغل به من فكر وأيديولوجيات ، ووقائع حاضرة وغائبة بحيث لا يشغلها المهم عن الأهم ، ولا التافه الساقط عن المهم . وضرب مثلا برجل سأل آخر : ما آخر أنبائها الآن ؟ فأجاب على البديهة : هى راقدة على البيض الآن . فضحك السائل ؛ لأنه يسأل عن الحرب العالمية الثانية ، أما المسئول فلم يكن يشغله إلا دجاجة يقتنيها . تذكرت هذه الكلمات وأنا أنظر إلى الأوضاع العربية فتأخذنى حسرة ولوعات : بشار ( أو نشار ) الأسد يذبح فى الشعب السورى كما يشاء ، ويهدم البيوت ويحرق الأحياء ، ووصلت دانات مدافعه إلى المساجد ، وكل يوم يعيش الشعب السورى مذبحة جديدة ، دون أن يصغى هذا " النشار " لصوت العرب والمسلمين والعالم والمنظمات الدولية ، وكأنه لم يقرأ قول الشابى : سيجرفك السيل سيل الدماء = ويأكلك العاصف المشتعل ومصر تعانى ما تعانى من مشكلات متزاحمة متراكبة وخصوصا الأزمة الاقتصادية ، ومؤامرات المخلوع . ولبنان تمزقها الطائفية والاختلال السياسى . وليبيا تثور فيها الفتن ، وبدأ تفتيتها إلى مناطق مستقلة برقة ، وطرابلس ، وفزان . واليمن مازالت تعانى ما تعانى من مشكلات ، والبلاد الإسلامية وخصوصا أفغانستان وباكستان تعيش فى محن واضطرابات متتالية . هذا بعض من الكل المأساوى ، ولكن تحمل لنا الأخبار خبرًا غريبا أغرب مما قرأناه عن صاحب الدجاجة وخلاصته : " أن المحكمة فى بلد عربى مرموق تنظر قضية بطلاها حلاق مصرى ومواطن من هذا البلد العربى ، جلس بين يدى الحلاق وهو يعمل فمه فى قطعة من اللبان ، لذا زلقت يد الحلاق المصرى وقصت جزءا من شاربه ، وقامت الحرب العالمية الثالثة ، وقدم الحلاق المصرى المسكين عشرة آلاف من عملة هذا البلد كتعويض للضحية ، ولكنه رفضها ، ومازال يصر على حكم شرعى من المحكمة ، وقد أمرت هيئة التحقيق والادعاء العام بالقبض على الحلاق حيث أودعته السجن طوال ثمانية أيام على ذمة التحقيق ، ثم أطلقوا سراحه بكفالة كبيرة ، لتتم إحالة القضية إلى المحكمة الجزئية للبحث فى ملابساتها " . ********** إن المسلم الحق يجب أن يجعل هموم أمته فى بؤرة شعوره ، لا يشغله عنها شاغل خاص مهما كان له تأثيره لمصلحته الشخصية ، ومسيرة حياته . ومما يروى فى هذا السياق : أن أحد المسلمين انطلق إلى بيت أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى ساعة متأخرة من الليل وطرق بابه بشدة فنهض أبو بكر مفزوعا وسأل الطارق : ماذا هناك ، أجاءت غطفان ؟ ( غطفان كانت قبيلة معادية تهدد بالهجوم على المدينة ) . بل أشد وأنكى ... لقد طلق النبى نساءه . وهذا الخبر له دلالتان : الأولى : أن المسلمين جميعا كانوا يعيشون هموم نبيهم صلى الله عليه وسلم . والثانية : أن كبارهم كانوا لا يشغلهم إلا الإخطار التى تهدد الأمة الإسلامية . أقول هذا ، وأقول لصاحب الشنب : " شيئا من الدين والسماحة والوعى واعتبار الذات ... يا صاحب الشنب المحلوق " . [email protected]