بقلم: د. أحمد عبدالرحمن الشرقاوي أحد أساليب الدفاع النفسى هو الإنكار والتجاهل أو محاولة إضفاء غطاء أخلاقى زائف على الجرائم الكبرى يتم بها خداع النفس وتخدير الضمير تماما كما ادعى «راسكولينيكوف» بطل رائعة الروائى العالمى «ديستوفسكى» الجريمة والعقاب، حيث أقدم على قتل المرابية العجوزة مبررا جريمته بأنها من أجل هدف نبيل والتخلص من أنماط من البشر لا حاجة للحياة إليهم لأنهم يمثلون عبئا على الخير والفضيلة والقضاء عليهم ولو بالقتل هو عمل فاضل!. وهنا يلتقط طغاة العالم هذا الخيط مبررين دائما جرائمهم على مر التاريخ. هكذا يظل الطغاة يعيثون فى الأرض فسادا.. ويصنعون المآسى والكوارث ويروون الميادين بدماء الأبرياء ويعلون بناياتهم على أشلاء الشرفاء ويصنعون ثرواتهم على إفقار الشعوب وتحطيم إرادتهم ويتفاخرون بالأمجاد الكاذبة على حساب إهدار حق الإنسان فى العدل والحرية والكرامة محاولين دوما إضفاء هذا النوع من الغطاء الأخلاقى الزائف على جرائمهم فمن يخالفون فى الرأى ليسوا سوى بعض المتآمرين الذين لديهم أجندات خارجية، أو هم يسعون لتكدير الأمن العام أو زعزعة استقرار الوطن ومازالت فى الذاكرة أساليب أحد عتاة الطغاة التى تروى عنه الأساطير فى الفساد والاستبداد والقدرة الفائقة على صناعة الأكاذيب، وتحطيم كل ما هو مشرق ونبيل فى ربوع الوطن. وقد بلغ به التمادى فى الاستهانة بشعبه إلى حد التجاوز المدهش فى الاستهانة بعقول الآخرين، فقد سأله أحد الصحفيين فى مؤتمر دولى عن الرئيس القادم الذى يتصور أنه سوف يخلفه فأشار بيده إلى السماء! وعندما عاود الصحفى السؤال بوضوح عن الوريث أجاب بصلف وسخرية: «بوسعك أن تسأله هو عن ذلك»! وحين زيف إرادة الشعب وخرب الضمائر.. وعدل القوانين ومواد الدستور لتعبيد الطريق لتوريث نجله، وانطلقت القوى الوطنية معلنة مجلسا شعبيا بديلا بعدما سدت أمامهم جميع القنوات الشرعية لأحلام العدالة والديمقراطية، كان تعليقه بنفس الصلف والاستخفاف: «خليهم يتسلوا» وهنا أتذكر أبيات خالدة لأبى القاسم الشابى يندد فيها بطغاة العالم وكأنها استلهمت اللحظة الراهنة. يقول فيها: تأمل هنالك أنى حصدت رؤوس الورى.. وزهور الأمل ورويت بالدم قلب التراب وأشربته الدمع حتى ثمل سيجرفك السيل سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل نعم كان الشابى أسبق فى تحذيره وفى نبوءته من كل الكتاب والمثقفين الأحرار الذين آثروا الانسحاب يأساً وإحباطاً من جدوى الكلمة فى عصر المماليك الجدد، الذى يمعن فيه تحالف السلطة والثروة فى الوصول بنا إلى وضع بالغ التردى من خلال منظومة لا مثيل لها على مر تاريخ مصر من الفساد والإفساد بدءاً من سياسة إفساد الفطرة الإنسانية حتى سياسية «دعوا الكلاب تنبح.. والعصابة تنهب!». ومازالت فى الذاكرة أشياء أخرى!...