حماية لدولتنا الجديدة فى ظل الثورة يتربص بنا الفيروس الأخطر المعادى للتخطيط وهو (قرارات المنظرة) فيأتى القرار متعجلا وجزئياً لا يأخذ فى الحسبان بقية المتطلبات. وحين يتعلق الأمر بشئون دولة، مثل تخطيط المدن، فنحن نلجأ بداية إلى العلماء فى هذا المجال، وحينما فرضت مشكلة الزحام فى القاهرة نفسها على المسئولين، فإن ألف باء التخطيط أن نبحث فى إثر القرارات الكبيرة خاصة على بقية شئون الحياة فى الحاضر والمستقبل، ولأن مصر قدَّر الله لها أن تكون فى مهب ضرورات قومية تاريخية لا يمكن أن نتناساها، فإن أى قرار يجب أن ندرسه فى ضوء الحرب القادمة الحتمية ضد إسرائيل – ولو بعد عقود – وألا نعيد منظومة التهريج التى مارسها مبارك وتابعه محمد إبراهيم سليمان حيث تدشين وفتح الكبارى دون التفات إلى سلبية هذا النهج بالنسبة للمستقبل، فكيف نحل مشكلة الزحام بمنطق العلاج بالمسكنات لنخلق مشكلة أكبر وأعسر، وهى شل القاهرة أثناء الحرب بضرب تلك الكبارى. إن خبراء الاستراتيجية الحديثة فى العالم يقولون: إن من الخطورة بمكان أن تقيم الدولة الكبارى فى مدينة مستهدفة.. والمقصود بالطبع الإفراط فى إقامتها بحيث تشكل شبكة اتصالات رئيسية، لأن ضرب هذه الكبارى يقطع أوصال المدينة تماما، ويهدد صمودها والإمدادات فيها ومنها وإليها، والبديل الأمثل، وربما الأرخص على المدى البعيد هو التوسع الأفقى، وإنشاء مدن جديدة مستقلة تماما عن القاهرة. وقد أشار إلى هذه المخاطر كتاب رواد الاستراتيجية الحديثة تأليف إدوارد ميردال وآخرين، وهو مترجم إلى العربية، وقد حذر المؤلف بشدة من إنشاء الكبارى الضخمة فى مدينة معرضة لرياح الحرب. لكن ماذا نفعل والمخلوع كان من هواة فتح الكبارى، ولم يكن يقرأ كتاباً أو يستوعب نصيحة، ومن ورائه كتيبة الأفاقين المنافقين المسبحين بحمده، والعاشقين لتوجيهات السيد المخلوع. وإننى أقترح أن يضاف إلى القسم الذى يؤديه رئيس الجمهورية والوزراء فقرة تقول بأنه يتعهد بأن يداوم على القراءة حتى يغادر منصبه. - مجالس مجالس.. فى عهد الفوارس لم يخفت بعد صوت المنادين بتخلى المجلس العسكرى عن السلطة من الآن، نظراً لابتعاده عن تنفيذ مطالب الثورة. وقد نادى الكثيرون من عقلاء الأمة بإلغاء مجلس الشورى وادخار ميزانيته كنوع من ترشيد الإنفاق، لكنه العناد والتباكى على القديم، بل أبدعوا مجلسا جديداً هو المجلس الاستشارى – تحت وهم امتصاص غضب المتظاهرين – وهو يضم عددا من الكفاءات لا ريب فى ذلك لكن هذا المجلس الموقر محكوم عليه بالفشل فى أداء مهمته الضبابية قبل أن يبدأ.. وهذا الابتكار الكرتونى يضعنا أمام عدة أمور منها: 1- أن يعمل المجلس الاستشارى بمنطق حرب طواحين الهواء، ويشارك بذلك فى إضاعة الوقت، وإتلاف الفرص، ونكون بصدد ضجيج بلا طحن.. 2- أن يستجيب العسكرى – فرضاً – لكل توصياتهم وفى هذه الحالة لا مبرر لوجود العسكرى فى سدة الحكم والسياسة، علما بأن المجلس الاستشارى يحظى بقبول جماهيرى أكبر من المجلس العسكرى. 3- إن فشل العسكرى طوال الشهور الماضية - عجزاً أو تعمداً – كان مقروناً دائما بمشاورات واجتماعات ولجان ومؤتمرات لا صدى لها، فلماذا نكرر نفس المسرحية، ونختمها فى النهاية بخاتم (فشل للمرة الثالثة أو الرابعة)، والذى يدفع الثمن هو الشعب من جوعه وألمه وأحلامه المشروعة. 4- كيف يتسنى لمن لم ينجح فى إدارة البلاد أن يكون له حق قبول أو رفض أو اختيار بعض ما يقرره أو يوصى به الاستشارى، وكيف نثق فى قدرة المجلس العسكرى على الفرز إذا أحسنا النية.. 5- يقولون إننا استبدلنا مبارك ب 19 مبارك آخر على رأس البلاد.. والمثل يقول: المركب اللى يقودها اتنين تغرق .!! 6- إننى أدهش لقبول النبيل منصور حسن أن يكون رئيسا لهذا المجلس الوهمى، وكيف يشارك فى هذه الملهاة التى قد تؤدى بالبلاد إلى مأساة ودعونا نجرب توصية أو اقتراحاً من هذا الاستشارى لحل مشكلة آلاف المحبوسين من المدنيين بأحكام عسكرية.. 7- - وإننى أقدم هذا البيت لكل من أدارت السلطة رأسه، وهو بيت كان عمر بن عبد العزيز يتمثله لينجو من خبال الغرور – وهو للشاعر مسعر بن كدام.. يقول: يغرك ما يفنى، وتفرح بالمنى وليلك نوم، والردى لك لازم - الشابى بين ثوار الميدان وقصيدة النثر الشعر هو نبض اللحظات السريعة، يعبر عنها، ويضيف إليها، ويطل من الأحلام ومن حركة الواقع، وكم من القصائد الشعرية وكلمات الأغانى التى ملأت سماء الوطن، وتغنى بها الناس لعقود، ومنذ بدأت ثورات الربيع العربى، كان غريبا ألا تتألق الأغانى والقصائد الوطنية الجديدة فى المشهد الثورى، رغم نشر الكثير من تلك القصائد فى الدوريات، وظهور العديد من الأغانى الوطنية الرائعة، وظلت أبيات – من الماضى – بعينها تستأثر بلسان ووعى الناس دو تلقين فى مقدمتها: فى مصر: بلادى بلادى بلادى لك حبى وفؤادى وفى تونس ومصر وغيرهما: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. وقد توقفت طويلا أمام بيت الشابى المحظوظ الذى ضرب الرقم القياسى فى حضوره العام، وبالتأكيد هناك مئات الأبيات لشعراء آخرين من شتى الأجيال لا تقل بلاغة عن هذا البيت، لكنها لم ترسخ فى قلوب الناس وذاكرتهم. لكنها فى يقينى ليست مصادفة، أو هى مصادفة تأتى لمن يستحقها. لقد ولد الشابى عام 1909، وهزمه قلبه الذى طالما غنى له وبه، فتوفى عام 1934 لينضم إلى قائمة الشعراء الذين رحلوا فى عمر الزهور مثل طرفة بن العبد، وهاشم الرفاعى، وصالح الشرنوبى، وعلى قنديل، والتيجانى يوسف بشير وبيرون وروبرت بروك وغيرهم. وكما تحدث إلى الشعب، بعث برسالة مباشرة إلى طغاة العالم: سيجرفك السيل، سيل الدماء ويأكلك العاصف المشتعل كان انتماء الشابى الأول للوطن، وفوق أية أيديولوجية وكما كان ثائرا ضد الاستبداد تمرد على القالب الشعرى، وترك لنا منجزاً شعريا بديعاً وسابقا لعصره، وهو قصيدة النثر، ولم ينتبه الكثيرون إلى هذا التحديد الذى تناغم مع تيارات قصيدة النثر الوليدة فى المهجر وغيره فى ذلك الحين، وقد ألمحت إلى هذا التجديد فى تقديمى لديوان الشابى الصادر عن مكتبة جزيرة الورد. وقد تم نشر تلك القصائد النثرية تحت عنوان (صفحات من كتاب الوجود) من إعداد سوف عبيد بمناسبة الاحتفال بمئويته، وهو بذلك يعتبر رائد قصيدة النثر فى تونس، وقد استمر تحريضه على الثورة فى هذا الديوان، يقول فى قصديته الطويلة الشاعر: هم الناس.. لا يعلمون أنهم ضحايا فى أعراس الجبابرة.. وأصداف فى لجة الأيام. - فتافيت! - العقاد – صاحب العبقريات – كأنى به يتحدث إلى القائمين على الحكم بقوله: ليس الطبيب البيطرى أصلح الناس للفروسية، وليس العالم الاجتماعى أصلح الناس لولاية الحكومة، هذه صناعة وتلك صناعة. - اللواء سامح سيف اليزل.. أخصائى تجميل صورة العسكرى، فى إطار يوحى بالموضوعية، والعازف على أوتار التهدئة حتى لو كانت مصيدة للثوار. - قال أحد البسطاء فى إحدى الفضائيات – بمنتهى البراءة – الداخلية دول ولادنا لازم نحميهم من البلطجية.. إلى هذا الحد انقلبت البديهيات. - مع تقديرى للوزير منير فخرى عبد النور – لزم تصحيح قوله للإعلامى حافظ الميرازى – فى قناة دريم – إن الشرعية الثورية فى يد المجلس العسكرى.. - قد نجد نقطة بيضاء فى الثوب الأسود، ونحن فى تقلبات الإعلام المصرى.. وما يعانيه التليفزيون أتذكر الراحل نور الدمرداش حين كان رئيسا للتليفزيون المصرى، وحاول مسئول الإنتاج أن يستولى على فكرة مسلسل عن الأحاديث القدسية (فى ثلاثين حلقة درامية) ليقدمها فى قناة عربية، فأحضره أمامى ووبخه وأمره بالبدء فوراً فى إنتاجه، دون طلب أو لجنة أو فوت علينا بكرة.. - من الخاص إلى العام: فى زحام الأحداث، لا ينبغى أن نفقد بوصلة سلوكنا الحضارى، ومن صورة القضاء على التلوث السمعى أو الضوضاء.. - وللفضائيات والأحزاب دورها فى ترشيد هذا السلوك، لقد احتجت حفيدتى سما (وهى فى الثالثة من عمرها) على بائع فى السوق ينادى بأعلى صوته وبشكل متكرر: بجنيه.. بجنيه.. بجنيه.. فصرخت فيه بكل ضعفها وفطرتها ونقائها: إيه.. بجنيه.. بجنيه.. بس. تُرى متى تتخلى القاهرة الحبيبة عن لقب: أكثر المدن ضوضاء!