لست خبيراً اقتصاديا لأصلح الواقع المرير, ولكني أعيش وسط الناس وأحس بما يحسون, وأشعر بما يشعرون , وما يحدث هذه الأيام من ارتفاع مخيف للأسعار, لا يقابلها زيادة في المرتبات, الناتجة عن زيادة الإنتاج, ومازال السؤال الملح يراودني كيف يستطيع موظف لا يملك سوي مرتبه أن يواجه هذه الموجه العاتية من ارتفاع الأسعار, والإجابة هي نعم يستطيع مواجهتها بطرق ثلاث أن يسرق ويختلس, أو يرتشي, أو يبحث عن عمل أضافي إن كان شاباً, يستطيع تحمل تبعات العمل لمدة لا تقل عن 18 ساعة يستهلك فيها صحته, وتتدمر فيها حياته الاجتماعية تماماً من رعايته لأولاده وزوجته وأقاربه, ومن نافلة القول أن نكرر ونقول إن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضرورات الخمس, حفظ الدين, حفظ النفس, حفظ العقل, حفظ العرض (النسل), حفظ المال, وما يعنينا هنا هو اهتمام الشريعة الإسلامية بحفظ النفس, وكما قال الفقهاء إن حفظها يكون بحق كل إنسان علي حاكمه ودولته في توفير الطعام والشراب والكساء والمسكن والعلاج والتعليم, وأي نقص أو تقصير في هذا الجانب يُحاسب عليه الحاكم والمسئول, فكل شخص من حقه طعام يكفيه, مسكن يأويه, ملابس تستره, علاج عند مرضه, تعليم يسهل له الحصول علي وظيفة يرتزق منها, وهو ما تفعله الدول الأوربية من واقع مسئوليتها أمام شعوبها, فتوفر طرق التعليم بما يحتاجه المجتمع, وتعطي الرواتب بما يجعل الإنسان لا يمد يده, فإن لم يوفِر فلا يقترض ولا يحتاج, وتعطي السكن بما لا يزيد عن الخمس من راتبه, وتفرض التأمين الصحي علي الجميع, باقتطاع جزء لا يساوي خمسه في المائه من راتبه مهما قل أو كثر, ويتمتع بنفس الخدمات وفي أرقي المستشفيات, فليس هناك قوافل خيريه, ولا طلبات للعلاج علي نفقة الدولة, ولا طلب السفر للخارج بواسطة, بل يتمتع الجميع بالمساواة, فلا يقلقون عند مرضهم, ولا يتلطمون علي أبواب مستشفيات منهارة الخدمات, تمرح فيها القطط والكلاب, لدرجة أن وزيرة نابهة من وزراء الصحة السابقين عندما اشتكي لها طبيب من انتشار القطط بالمستشفي وعدم القدرة علي التصرف لقلة الإمكانيات, كان ردها الكافي الشافي (مش عارف تعمل إيه يا دكتور...هش القطه!!), والذي لا يعمل لفترة لأي سبب يساعدوه براتب البطالة ويبحثون له عن عمل, ويرسلونه إلي الأماكن التي تتوفر فيها وظيفته, ويدفعون إعانة سكن, وتأثيثه, وإعانة لكل طفل جديد في العائلة حتى لا يشكل عبئاً علي والديه, حتى إن كثيراً من العرب يعيشون علي هذا الجانب, ينجبون بالخمسة والستة أطفال ويتكسبون من ورائهم إعانات الأطفال, ومن العجيب أن بعض الأوربيين يقتنون كلاباً فيدفعون لهم مساعدة وإعانة لأكل هذا الكلب, والنظرة العامة والفلسفة المسيطرة هي للإنسان القيمة العليا, والحكومة خادمة حقيقية للشعب, تسعي لرفاهيته وتحسين أحواله, والمحافظة علي أمنه, وهذا يتحقق بما يفعلونه, فلا مشاجرات مستمرة ولا سرقات بالصورة الكبيرة ولا جرائم قتل نتيجة ضيق ذات اليد, ولا من يعرض كليته, أو أبنائه للبيع, طبعا ليس بنسبة مائه بالمائه ,لكن في الحدود الدنيا, لكن سياسة جوّع كلبك يتبعك, التي تمارسها بعض الأنظمة بالضغط علي شعوبها, وتضييق سبل العيش عليهم, والاستمرار في سياسة لي الأيادي والإفقار المنظم لطبقات الشعب سياسة خطيرة قد تتدثر وراء القبضة الحديدية والتخويف لكنها لا تسلم في كل مرة من الانفجار المفاجئ الذي لا تحمد عقباه, وهذا يعيدنا لعنوان المقال (هل تصلح علاوة الموظفين وزيادة 3 جنيهات من 18 ل21 جنيه علي بطاقة التموين..غول الأسعار.. وجنون الدولار)!!