لم تعد شاشة التلفزيون تثير المشاهدين كما كانت من قبل ..لأن جل الإعلاميين المسيطرين على برامج الذروة في الفضائيات العربية تحولوا إلى سياسيين وملكيين يدافعون عن الخطأ والكارثة ويكرسون سلطة الأمر الواقع يمدحون آراءهم ومن يوالونهم ويحالفونهم.. ويشتمون ويسخرون من الرأي المخالف ولوكان عين الصواب والحكمة والصورة الحقيقية للواقع ..أصبحت بعض الوجوه مملة حد القرف بما وصلت إليه من إسفاف وصلف ورداءة وعصبية زائدة عن اللزوم ..لغة الخطاب اِنحدرت إلى مستويات الجنون والحمق والصبيانية في كثير من الأحيان.. ما جعل المشاهد يفر بجلده إلى البرامج هادئة .. كي يُوفر قليل من السكر في جسمه ويربح قليل من الراحة العقلية وإلا تكدرت حياته أكثر مما هي عليه جراء متاعب الحياة ولقمة العيش. *** أضحى المواطن البسيط أوعى من أغلى مذيع ..لأن المواطن يحلل الواقع بناء على تجربته وحاله و معايشاته اليومية .. أما سيادة المذيع 5 نجوم فهو في نعيم الفضائية لا يدري ما يحدث حوله بل لا يكلف نفسه حتى مجرد النزول للشارع ورؤية أحوال الناس ومعانانتهم ومكابداتهم ..ولو قُدر لحضرة المذيع أن وطأت قدمه العشوائيات وأماكن الفقر والعوزوالغبن والمجاعة لرجع صامتا باهتا ..واِنقلب خاسئا وحسيرا . ***** أصل المشكلة أن بعض المذيعين ممن يحيون حياة الرخاء والبذخ كالسلاطين يعيشون خارج الزمن والحياة ..جلهم مكلف بمهمة إرضاء المدير والوزير ومالك المحطة ..يعني خادم أجندات ومصالح ولا يهمه شأن الناس فرحوا أم حزنوا ..سكنوا أم باتوا في العراء.. أكلوا أم باتوا على الطوى ..أصل المعضلة أن المذيع المحترم من كوكب آخر ينزل على البرنامج لفرض قرارات و قناعات وتصورات ورأي المسؤولين إلى المواطنين وليس العكس ..من حق المواطن أن لا يثق في خطابات المذيعين لأنّه ألف الأكاذيب والتلفيقات والكلام المعسول البعيد عن الواقع وأضحى ملكا أكثر من الملك نفسه. **** صورة المشكلة أيضا هي السذاجة الزائدة وادعاء الفهم واحتكار الحقيقة لدي الكثير من معدي البرامج المباشرة والغير مباشرة .. سذاجة سيادة المذيع الكبير تكمن في تعاليه عن الواقع بعدم فهمه أو تعمد عدم فهمه أو محاولة تزيينه تزييفه وإظهار واقع آخر جميل وملون ..لا ندري إلى أي حد يتواصل هذا السقوط لجل من يتصدرون واجهات الشاشة وأوقات الذروة ..وهل بقيت مصداقية اليوم بعدما فر المشاهدون إلى مواقع الانترنت والتواصل الجتماعي وتركوا أو تجاهلوا عمنا المذيع يرغي ويزبد ويفرفش ويسخر لوحده ..هل هو العقاب العادل لكل صحفي تنكر لمهنته وقناعاته وفضل مصالحه الشخصية على المهنية والاحترافية وصوت المواطن وصورة الواقع ..إن نجاح أي مذيع هو مصداقيته لدى مشاهديه ولو على راتبه ومنصبه ..ومتى ترسخت القناعة بأن الإعلام هو السلطة التي يلجأ إليها الغلبان لإيصال صوته ومعانته لصاحب القرار ..متى ترسخت هاته القناعة نجح المذيع وحقق سلطته الرابعة المراقبة للشأن العام ..والعين الساهرة على كل العيوب والإخفاقات والسخط الاجتماعي والرداءة السياسية المتفشية ..وتلك المهمة السهلة الممتنعة . * كاتب جزائري