تَصدُر في المغرب.. استقرار في تونس.. معارضة في الأردن.. تغييب في مصر أحيا حزب العدالة والتنمية في المغرب، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، آمال الإسلاميين، في العودة إلى صدارة المشهد السياسي العربي من جديد؛ بعد تصدره الانتخابات البرلمانية المغربية. فوز العدالة والتنمية وتكليف الملك المغربي محمد السادس، القيادي الأبرز في الحزب، عبد الإله بن كيران، بتشكيل حكومة جديدة، وقبلها بأيام عودة معقولة للإخوان المسلمين في الانتخابات الأردنية بعد مقاطعة استمرت ثمانية أعوام، أظهرا تحولات مهمة في المشهد السياسي العربي، وتداعيات سيكون لها ما بعدها على دول الجوار. وكانت الأحزاب الإسلامية المنضوية تحت مظلة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، قد تصدرت المشهد السياسي في المنطقة العربية مع ثورات الربيع العربي في العام 2011، إلا أنها واجهت في الفترة الأخيرة حالة من الركود السياسي النسبي، وذلك تأثرًا بما شهدته كل البلدان العربية بسقوط الإخوان. وبعد نحو 3 سنوات من الانحسار السياسي، بدأت الجماعات والأحزاب المنضوية تحت تنظيم الإخوان المسلمين في الصعود الملحوظ مجددًا، مرة أخرى، كما كان الأمر في سنوات الربيع العربي الأولى. ومع إعادة تموضع العلاقات والتحالفات العربية العربية، ومع الانهيارات الاقتصادية لعدد من الدول، وعلى رأسها مصر، يتنبأ مراقبون بعودة مرتقبة لجماعات الإسلام السياسي من جديد، ولو عبر تنازلات وتحالفات مع الأنظمة الحاكمة حاليًا. فهل يكون تشكيل إخوان المغرب للحكومة، وصعود إخوان الأردن ككتلة معارضة قوية في البرلمان الأردني، مع استقرار حركة النهضة في تونس، "فال حسن" على إخوانهم في بقية الدول العربية؟ وترصد "المصريون" طبيعة أوضاع الحركات والأحزاب المنضوية تحت لواء التنظيم الدولي للإخوان في عدد من الدول العربية.. رجل المغرب القوى أعادت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب، حزب العدالة والتنمية، الذي فاز في الانتخابات السابقة عام 2011 في أعقاب الحراك الشعبي الذي شهدته المملكة، وأفرز دستورًا جديدًا قلص بعضًا من صلاحيات الملك المطلقة، إلى الصدارة مجددًا. وفي أول تعليق له بعد إعلان تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية، قال عبد الإله بن كيران، إن "حزب العدالة والتنمية بعد ترؤس الحكومة لخمس سنوات، وبعدما قام بالإصلاحات والإنجازات التي قام بها، واهتم بميزانية الدولة وأوقف الإضرابات الشائكة والعشوائية، وبعد أن اهتم بالفئات الهشة، فإن الشعب المغربي اليوم جازى الحزب بالتصويت له بكثافة". وفي كلمته أمام وسائل الإعلام، بمقر حزبه مطلع الأسبوع الماضي، أضاف بن كيران، أن الحزب "أثبت أن الجدية والصدق والصراحة مع المواطن، والحرص على استقرار الوطن، وجعل مصالح البلد فوق كل مصلحة أخرى، والوفاء للمؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية، كلها عملة تعطي إيجابية ولله الحمد، وهو ما بيّنته هذه الانتخابات". وكانت كل السلطات التنفيذية في يد الملك حتى عام 2011، عندما وافق الملك محمد السادس على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري في غمرة انطلاق حركات المظاهرات والاحتجاجات في المنطقة فيما عرف بالربيع العربي. وعلى الرغم من تخلي الملك عن بعض سلطاته كجزء من الإصلاحات الدستورية، إلا انه مازال أقوى شخصية في البلاد، وهو الذي يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات. الأردن والعودة للبرلمان شهدت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، انشقاق بعض منتسبيها في أثناء فترة الربيع العربي، تمخض عنه تشكيل جمعية باسم جمعية الإخوان المسلمين أسسها مراقب عام الجماعة الأسبق عبد المجيد ذنيبات، الأمر الذي اعتبرته الجماعة انقلابًا على شرعيتها، خاصة بعدما منحت الحكومة الأردنية، ممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية، الجمعية الجديدة ترخيصًا في مارس 2015. والشهر الماضي، أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية الأردنية، تحولات مهمة في المشهد السياسي، أبرزها عودة معقولة لجماعة الإخوان المسلمين بعد مقاطعة استمرت ثمانية أعوام، وغياب لرموز عشائرية كبيرة. أما جمعية الإخوان المسلمين التي شكلها ذنيبات لتحل محل الجماعة الأم، فلم تحصل سوى على مقعد واحد. وبعد ثمانية أشهر من الإغلاق، أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إعادة فتح فرعه في مدينة العقبة بقرار قضائي. تونس واستقرار النهضة تصدرت حركة النهضة، أول انتخابات عامة بعد ثورة تونس التي أزاحت زين العابدين بن علي، من السلطة عام 2011، في المجلس التأسيسي ب 89 مقعدًا من 217، وهو المجلس الذي عهد إليه بسن دستور جديد للبلاد مع القوانين الأساسية الكبرى. لكن هذا المشهد تغير مع الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2014، حيث تراجعت الحركة إلى المرتبة الثانية ليتقلص حجمها إلى 67 تاركة الصدارة لحزب نداء تونس (الفلول) بزعامة الرئيس التونسي الحالي الباجي قايد السبسي ب 86 مقعدًا قبل أن ينقسم هذا الحزب ويفقد المركز الأول تحت قبة البرلمان. ومؤخرًا، أعلن راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، في قرار أثار جدلاً كبيرًا في الأوساط السياسية والإسلامية، فصل العمل الدعوي عن الحزبي، وهو القرار الذي وصفه الغنوشي بأنه "نضج ينسجم مع نصوص الدستور، ومساعي الحركة نحو التخصص". وفي صيف 2013، التقى الغنوشي، مع رئيس حزب "نداء تونس"، آنذاك، "الباجي قايد السبسي" (الرئيس الحالي للبلاد)، وقبل الحوار الوطني، وأعلن انسحاب "حكومة الترويكا" التي كانت تقودها "النهضة" من الحكم لفائدة حكومة مستقلة من التكنوقراط برئاسة "مهدي جمعة". تغييب إخوان مصر وفي مصر، وبعد أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، تمكن حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة) الفوز بمفرده ب 218 مقعدًا، بخلاف المقاعد التي حصل عليها السلفيون وعلى رأسهم حزب النور (الذراع السياسية للدعوة السلفية)، ب 127 مقعدا، حيث إن الأحزاب الإسلامية مجتمعة، بمختلف تلويناتها، حصدت أكثر من 70 في المائة من مقاعد هذا البرلمان. وبخلاف البرلمان، تمكنت الجماعة بمشاركة مجتمعية غلب عليها الطابع الإسلامي ومعارضة شرسة من العلمانيين والحركات غير الإسلامية من كتابة دستور جديد للبلاد، بجانب السيطرة على مجلس الشورى (تم إلغاؤه)، ورئاسة البلاد. غير أنه في 3 يوليو 2013، بعد مظاهرات معارضة حاشدة شهدتها عدة ميادين في مقابل اعتصامات للإخوان، أطاح قادة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، المحسوب على الجماعة، وأعلن عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، حل مجلسي النواب والشورى، وعطل العمل بالدستور، وتم الزج بآلاف القيادات والمنتمين للجماعة بخلاف معارضين من توجهات مختلفة. وبينما سيطر النظام الحالي على كل مفاصل الدولة، تشهد مصر انهيارًا ملحوظًا على المستوى الاقتصادي، وسط مخاوف من اندلاع انتفاضات شعبية على غرار ما حدث في يناير 2011. تهنئات إسلامية بفوز إخوان المغرب وفي أول رد فعل من جانب حزب إسلامي معارض في مصر، على نتائج الانتخابات البرلمانية في المغرب، هنأ حزب الوسط، اليوم، نظيره العدالة والتنمية، على تصدره الانتخابات البرلمانية. وقال الحزب، في بيان تلقت "المصريون" نسخة منه، إن "المهندس أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، وأعضاء الهيئة العليا للحزب، وجميع أعضائه، يتقدمون بالتهنئة للشعب المغربي أولا، ولحزب العدالة والتنمية وقادته وأعضائه، وعلى رأسهم السيد عبدالإله بن كيران، ثانيا". واعتبر الكاتب الصحفي قطب العربي، أن "نتائج الانتخابات المغربية التي جاءت بحزب العدالة والتنمية الإسلامي والتي سبقتها الانتخابات الأردنية بصدارة الإخوان أيضا، هي ضربة موجعة للتيار الاستئصالي (بعسكره ومدنييه) المطالب بمحو التيار الإسلامي من الخارطة السياسية". وقال العربي تعليقًا على الانتخابات المغربية، في تدوينة عبر "فيسبوك" إنه "كلما أتيحت الفرصة الحقيقية للشعب فإنه يحتار أهل الصلاح لا أهل الفساد والاستبداد". واتفق معه عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، مصطفى البدري، وأوضح أن "النتائج المتقدمة لحزب العدالة والتنمية المغربي لا تعبر عن آمال وأحلام بعودة الإسلاميين، بقدر تعبيرها عن مسألة واقعية لا يقبلها العسكري ولا العلمانيون". وقال البدري، ل"المصريون"، إن "المسألة ليست آمالا وأحلامًا، المسألة واقع حي لا يقبله العسكر ولا العلمانيون، وهي أن الشعوب المسلمة لا تختار عن الإسلام بديلاً كلما أتيحت لها فرصة الاختيار بحرية". وأضاف: "الإسلاميون ليس أمامهم خيار في رفع راية الإسلام والشريعة التي اختارتهم الشعوب من أجلها". بدوره، شدد الكاتب الصحفي سمير العركي، على أن "فوز العدالة والتنمية في المغرب أبلغ رد على منظري وهم ما بعد الإسلاميين، ودليل صريح على أن الجماهير إذا ترك لها الخيار اختارت من ينسجم مع عقيدتها وثوابتها". وقال عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، إن "المغرب له خصوصية معروفة فلا تزايدوا على بن كيران ولا العدالة والتنمية، دعوا التجربة تمضي في مسارها ولا تزايدوا في طلب المستحيل فيضيع كل شيء".