نشأت فكرة التقسيم في العقلية التركية بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى مع قيام الحلفاء المنتصرون بالتأسيس لدولة كردستان المستقلة في معاهدة سيفر 1920م وبعدها بثلاث سنوات عقدت اتفاقية لوزان لتبدد الحُلم الكوردي وتجعله سرابا ، لِتُثَبِّت الحقيقة التاريخية بأن كردستان أُنشأت في عهد السلطان السلجوقي ، والأكراد حينها ما هم إلا مواطنون داخل أوطانهم : تركيا ،إيران ،العراق، سوريا أثبت التاريخ أن الأقليات العرقية المتمردة ،أو الطائفية الناقمة تستغل مرور الدولة في مرحلة السيولة السياسية أو الأزمات السياسية لتجني من ورائها مكاسب ومطالب قد تؤدي لانقسامات وتفتت للدولة المستقلة . والمثال على ذلك هو نشوء أول تجمع سكاني كردي عرفه تاريخ العراق القديم هي السليمانية والتي أنشأها العثمانيون سنة 1503 ميلادية، وسميت بمخيم السليمانية نسبة الى السلطان العثماني المعروف سليمان القانوني، أُنشأت للأكراد الفارين من الصفويين بسبب حربهم بجانب الدولة العثمانية . كما يثبت التاريخ أن الأكراد مواطنين ذو ثقافات متعددة ولغات مختلفة وليسوا بأصحاب دولة حيث ينقسم الأكراد إلى أربعة مجموعات ( الكرمانجي، والكلهود، والكوران، واللور ) وكل مجموعة لها لغة خاصة بها ؛ فما الداعي ليستقل الأكراد بثقافات ولغات مختلفة ! . وننبه : لو استجابة الأنظمة السياسية في كل دولة عربية أو غربية لمطالب الأقليات العرقية والطائفية ما بقت دولة على حالها . نرجع لنقول :الأحزاب والقبائل الكردية تطمح وتخطط لدولة مستقلة ذات سيادة ، وما الحكم الذاتي إلا خطوة تدريجية للصعود لدولة مستقلة تماما ، بعدما أخذت كردستان العراق حكمها الذاتي ، وفي ابريل 2013 رأي مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، أن الظروف قد أصبحت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي تشارك فيه القوي الكردية بكل من العراق،وسوريا،وإيران،وتركيا،وأكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الشعب الكردي ، في حين ردت على محاولات بارازاني كتلة التغيير الكردية عن رفضها لفكرة تقسيم البلاد الى ثلاثة أقاليم بعد هزيمة داعش في العراق, فيما بينَّت أن مسعود بارزاني ونجله لا يمثلون الشعب الكردي ،وقالت النائب عن الكتلة شيرين رضا ل"عين العراق نيوز" أن "فكرة تقسيم البلد على أساس "سنة, وشيعة, وكرد" هو أمرا مرفوضا", مبينة أن "بارزاني ومحاولاته في إستمالة الشعب الكردي بعمل إستفتاء, لن يمكنه من التقرب لشعبه, لانه منبوذ عندهم ولا يمثلهم". إذا فمبدأ الاستقلال التام يتم بعثه وتنميته في الفكر السياسي الكردي بأسلوب تدريجي حواري تتناقله وسائل الإعلام ليكون في النهاية الرأي للشعب الكردي الذي تم توعيتة سياسيا لصالح الاستقلال بدولة ذات سيادة ،فلا تغرنكم التصريحات الكردية النافية للتقسيم والاستقلال التام ، وترويجها أنها لا تريد إلاحكما ذاتيا في الإدارة ، فهذا تخطيط استراتيجي للوصول للهدف . والسؤال : كيف يتم التقسيم تحت هذا الوضع الجيوسياسي ؟ الأكراد مقسمون ما بين تركياوإيرانوسورياوالعراقوروسيا وغيرها ،يبلغ عددهم في تركيا من 12 إلى 15 مليون نسمة ، وسوريا 1.5إلى 2 مليون نسمة ، وفي العراق 6إلى 8.5 مليون نسمة ،وفي إيران 10 مليون نسمة ويوجد عدد منهم في روسيا وغيرها . توزيع الأكراد داخل سوريا لا يعد تجمع بشري منتظم في منطقة أو منطقتين فهم موزعون على مناطق مختلفة متباعدة مختلطون بالعرق العربي ،وستكون توسعات الأكراد على حساب السنة ، مما يؤهل في حالة التقسيم لضياع أهل السنة وتحولهم لأقليات طائفية ما بين التواجد الشيعي والكردي وهذا نذير خطر ،وقد يكون المخطط هو ضم أكراد سوريا لأكراد تركيا لتكوين دولة كردية كبيرة . كما أن إنشاء دولة كردية بهذا الامتداد على ثلاث دول أو دولتين قد يؤدي لقطع الامتداد الاقتصادي بين دولة وأخرى مثل خط الغاز الروسي وغيره من المصالح الممتدة ، كما أن هذا التقسيم من شأنه أن تقام به دولة ضعيفة اقتصاديا فقيرة من الموارد الطبيعية أو داخله في نزاع حول مناطق النفط ، مما يؤهل المنطقة لنزاعات قادمة في حين أننا في زمن التحالفات بين الدول القوية لتنهض وسط هذا الإخفاق الاقتصادي العالمي . والسؤال هنا : من المستفيد من حالة التقسيم ومن المتضرر ؟ المستفيد الأول: هو العدو الأول للأمة الإسلامية والعربية الذي اعتدى على مقدساتها . المستفيد الثاني: هو من أبرم قضية سايكس وبيكو ومزق تركة الخلافة العثمانية حتى يمحو آثارها ويُضيّع حلمها من عقول أبناء الأمة . نوضح ونقول المستفيد الأول هو الكيان الصهيوني ، فأي تمزيق للوطن العربي يصبح في مصلحتها بكونها العدو الأول للأمة . كما أن العلاقات الكردية الصهيونيةعلى درجات متقدمة من التوافق السياسي والدعم اللوجستي لها ، وساعتها ستكون الدولة الكردية المزعومة ذراع للكيان الصهيوني في الإقليم . المستفيد الثاني أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي ، فبحكم الهيمنة الأمريكية على المنطقة ، وسياستها التي تعتمد على الإضعاف ليسهل الانقياد والتبعية ، وعدم الرضا عن التطور الأيدلوجي للفكر الإداري للدولة التركية ؛ تعمل أمريكا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي على التمهيد للإنقسام الكردي عن طريق تقويتهم ككيان فاعل في الأزمة بتزويدهم بالسلاح ودفع رواتب المقاتلين من خزانة الأممالمتحدة أو مباشرة يدا بيد ، وقد تناقلت بعض مصادر إعلامية تابعة أو موالية للبشمركة مثل هذا . والدليل على ما ذكرته : ما نقله موقع سكوب نيست في تصريح ترجمته وكالة المعلومة الاخبارية عن وزير التعاون الإقليمي الصهيوني أيوب كارا قوله إن لديه بالفعل اجتماعات في باريس حول القضية الكردية والتطورات الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط .. وتابع بانه يؤيد وبشكل عاجل قيام دولة كردية ولكن بالتنسيق مع دول المنطقة والامم المتحدة وامريكا ، مشيرا إلى أنه لايستبعد حصول توترات بين الدولة الكردية وما يجاورها من الدول مثل تركيا . أما المتضررين من قيام دولة كردية فكثر منهم : المتضرر الأول : تركياوسورياوالعراق وباقي الأمة العربية وبالنسبة لهذه الدول معلوم لدى الجميع مدى الضرر وأسبابه . المتضرر الثاني : إيرانوروسيا الرفض الإيراني بات واضحا تجاه قيام دولة كردية بسوريا من حيث كونها باعث جديد في نفوس الأكراد في إيران على الانقسام . أما المحير من قبل هو الموقف الروسي الداعم لأكراد سوريا والساعي لعمل حكم ذاتي لهم بحجة أنهم خط دفاع أنهك مقاتلي داعش ، ولعل السبب يرجع لتأزم العلاقات الروسية التركية ، و مالبث هذا الموقف أن يتغير بموافقته السكوتية عن التدخل التركي (درع الفرات) وطرد الأكراد شرق الفرات الذي أتى بعد الزيارة الأولى لأردوغان من الانقلاب التركي الفاشل لروسيا . وهنا نقول : أن الروس كانوا بين خيارين إما الدخول في تحالف قوي مع تركيا القوية ومستقبل خط الغاز لأوروبا أو استبدالها بالأكراد ، في حين أن ما يعرف عن العلاقات الصهيونية والأمريكية مع الأكراد كفيلا أن يجعل روسيا تراجع نفسها وتعيد صياغة موقفها ، وهذا ما حدث بالفعل . أرى أن التدخل التركي في سوريا : ليس وشيك اللحظة إنما هو قناعات لدى صانع القرار التركي منذ سنوات من الأزمة السورية لم يتمكن من القيام به لعدة أسباب منها : ضعف القرار السياسي تجاه المؤسسة العسكرية الذي قوى بعد إفشال الإنقلاب والتخلص من القادة المعارضين لأردوغان. والتخلص من الارتباط الأمريكي لحد ما بشأن الأزمة السورية الذي كان مانعا من عمل منطقة حرة على الحدود التركية السورية للوقاية من أي توغل كردي في الأراضي التركية . وبناءً على ماسبق من قوة النظام السياسي داخل الجيش التركي وفك الارتباط الجزئي مع أمريكا كان القبول الروسي أولا والإيراني ثانيا مساعدا ودافعا على التدخل العسكري التركي داخل الأراضي السورية . ليتحول جون كيري وزير خارجية أمريكا متحدثا رسميا للأكراد ليقول لنظيره التركي قد تحول الأكراد شرق الفرات . أتوقع قريبا تخلي الأمريكان عن الأكراد والرضوخ لإرادة الجمهورية التركية نتيجة لما آل إليه الوضع التركي من قوة سياسية وعسكرية على الأرض مدعومة بموافقة روسية وإيرانية مما يجعل تركيا مفتاحا رئيسيا لأبواب الأزمة السورية . * كاتب وباحث سياسي للتواصل مع الكاتب : عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.