كفاح محمود كريم المستشار الإعلامى لرئيس كردستان العراق بعدما وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها كان الأكراد منسيين في اتفاقيات التقسيم الخاصة بالشرق الأوسط، إذ لم يأت ذكر دولة لهم في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 حيث اتفق الحلفاء المنتصرون في الحرب علي كيفية تقسيم غنائمهم، وكانت الكلمة العليا ل «الأربعة الكبار» وهم رئيس الولاياتالمتحدة وودرو ويلسون، ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج، ورئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، ورئيس وزراء إيطاليا فيتوريو إيمانويل أورلاندو. ثم جاءت معاهدة لوزان التي وُقِّعت في 24 يوليو 1923، بسويسرا حيث تم علي إثرها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حاليا)، في الدولة العثمانية، وأدت المعاهدة إلي اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي ورثت محل الإمبراطورية العثمانية، وللمرة الثانية تم تجاهل الأكراد تحت ذريعة التنوع اللغوي والديني للمجتمع الكردي، مما يجعل عملية تماسكه في كيان واحد صعبة، إضافة لطبعه العشائري حيث يسكن أغلبهم سفوح الجبال في سورياوالعراق. في تصريحات خاصة ل «آخر ساعة» عبر الهاتف من كردستان العراق يقول كفاح محمود كريم المستشار الإعلامي لرئيس كردستان العراق مسعود برزاني: «لقد اقترف الحلفاء، باتفاقية تقسيم الشرق الأوسط المعروفة باسم سايكس - بيكو (1916)، خطأ كبيرا بحق شعوب المنطقة عموما، حتي العرب كانوا من ضحايا تلك الاتفاقية التي أهدرت حق شعب كردستان، فتسببت - كما قال أحد الدبلوماسيين الأمريكان أثناء توقيع معاهدة لوزان - بأنهم يوقِّعون علي بحور من الدماء بين شعوب المنطقة، وفعلا كانت بداية المأساة مع الفلسطينيين والكردستانيين الذين ما يزالون ينزفون دما ودموعا بسبب تلك الأخطاء الجسيمة بحقهم. الغرب عموماً والأمريكان خصوصاً، أدركوا تلك الحقائق ويعملون ببطء من أجل التكفير عن خطيئتهم، وفي نفس الوقت أثبت شعب كردستان بسالة غير عادية بتصديه المتحضِّر والشجاع لأكبر حرب إرهابية يتعرض لها العالم اليوم ضد منظمة ما يسمي بتنظيم داعش، وتحقيق الانتصارات الكبيرة عليها دونما الإضرار بالقيم العليا للإنسان، فضلا عن استقبال أكثر من مليوني نازح من العرب الذين احتلت داعش مدنهم في غرب العراق رغم ضائقة الإقليم المالية وتوفير الأمن والسلام لهم، وهو ما دفع العالم برمته إلي إعادة النظر في مواقفه من الأكراد ومطالبهم الحضارية التي يصرون عليها باستخدام الحوار والاستفتاء بدلا من العنف والدماء. ولذلك كان الجميع إيجابيا مع الرئيس بارزاني في جولته الأخيرة إلي أمريكا وأوروبا والخليج العربي، حيث تم استقباله باحترام يليق بما قدمته قوات البيشمركة في قتالها البطولي الذي حطّمت به أسطورة «رعب داعش». القاهرة - مارس - 2016 في أحد مقاهي منطقة وسط البلد يجلس محيي الدين مصطفي المحامي والناشط الكردي (سوري)، واضعاً قدما فوق الأخري محتسياً فنجان قهوته بهدوء، وبثقة مطلقة قال لآخرساعة: «اليوم وبعد مرور 97 عاماً أدرك الغرب الخطأ الذي ارتكبه في حقنا.. دولتنا ستُعلن بأسرع مما يتوقع أحد، الكل له مصلحة في ذلك.. الأمريكان والأوربيون بل والنظام السوري نفسه، اليوم أدرك الجميع أن الأكراد رقم لا يمكن تجاوزه». لا يتوقف محيي المتزوج من مصرية عن رحلات مكوكية بين القاهرة وكوباني وكردستان العراق، فالمحامي ابن التاسعة والثلاثين ربيعاً يناضل بعزم لا ينفد وإرادة لا تلين من أجل حلم طال انتظاره.. حلم بدأت ملامحه تتضح في الأيام الأخيرة، أولاً بإعلان أكراد سوريا من جانب واحد منطقة حكماً فيدرالياً ديموقراطياً في مناطقهم بشمال سوريا (يُطلق عليها أيضاً كردستان سوريا) ، وأبرز مدنها كوباني وتل أبيض وعفرين، ثم بإعلان رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني أنه سيتفاوض مع الحكومة المركزية في العراق من أجل الاستقلال التام وإعلان دولة كردية بعد سنوات من الفيدرالية، وبحسب تصريحات البرزاني فإن إقليم كردستان العراق سيشهد استفتاء تقرير المصير بحلول أكتوبر المقبل علي أقصي تقدير. يؤكد محيي، القريب من الدوائر العليا لصنع القرارالكردي والعائد مؤخراً من كوباني، أن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وسيرجي لافروف نظيره الروسي يرسمان الآن سايكس - بيكو جديدة في الشرق الأوسط، ولكن بحسابات مختلفة هذه المرة، حيث تقوم الولاياتالمتحدة حالياً ببناء مطار عسكري لها في كوباني ومطار آخر في مدينة الرميلين بمحافظة الحسكة ومطار ثالث في كردستان العراق، أما مطار منغ في عفرين (تقع 25 كم شمال مدينة حلب) فقد بات في قبضتنا.. لقد ساندنا الروس كثيراً وقدموا لنا كل الدعم لكي نستعيده من قبضة من يطلقون علي أنفسهم الجيش السوري الحر.. نعم هذه المرة يتفق الأمريكيون والروس علي ضرورة إنشاء دولة كردية حتي وإن قالت واشنطن إنها لن تعترف بها.. نحن نسيطر الآن علي ثلث مساحة سوريا وأهم مصدر لتوليد الكهرباء وهو سد تشرين.. 891 كم متاخمة لتركيا تحت أيدينا، ولم يتبق لنا سوي تحرير إعزاز وجرابلس (المسافة بينهما 70كم) الواقعتين علي الحدود مع تركيا وفي قبضة داعش. أين المصلحة ولكن ما هي مصلحة موسكووواشنطن في قيام دولة كردية؟ يجيب محيي: الغرب تأكد أننا مسلمون معتدلون ولسنا كهؤلاء الوحوش الآدمية المدعوة داعش، ثم إن الأكراد فقط هم من أثبتوا كفاءة قتالية في مواجهة رجال أبو بكر البغدادي، لذا فالغرب هو من يسعي للتحالف معنا.. ومؤخراً استقبل الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وشهدت باريس احتفالات بعيد النيروز "رأس السنة الكردية"، وتابع: الأمريكيون سئموا من الأتراك ويريدون نقل عتادهم العسكري من قاعدة أنجرليك في جنوب تركيا إلي كوباني، نحن نوفر لهم حرية أكبر في التحرك، وبنبرة ساخرة أضاف: لا تنس أن الرئيس بوتين الذي يري أن انهيار الاتحاد السوفيتي أعظم كارثة في القرن العشرين، مازال يحمل حنيناً للشيوعية وحزب العمال الكردستاني أُسس علي قيم ماركسية.. كما أن سيد الكرملين يريد معاقبة تركيا علي إسقاط الطائرة سو24 علي طريقته الخاصة.. لقد طعنت أنقرة القيصر في كرامته وهو أمر لن يمر دون حساب. هل تنتظرون شيئاً من مصر؟ نعم كنا ننتظر دعما سياسياً.. عدونا واحد وهو رجب طيب أردوغان، وبما أنه فتح للإخوان برلمانا موازيا في أنقرة كان علي القاهرة أن تفتح لنا علي الأقل مكتبا إعلاميا.. الغريب أنني اصطحبت مسئولين أكرادا رفيعي المستوي للخارجية المصرية حيث التقينا بمساعدي سامح شكري وأخبرناهم عن أسري مصريين لدينا كانوا يقاتلون مع داعش ولكننا لم نتلق أي رد حتي الآن!!. من هم الأكراد يعود العرق الكردي لأصول مختلطة مابين الهنود والأوروبيين، يدين غالبيتهم بالإسلام علي مذهب أهل السنة، ويستوطنون نصف مليون كم مربع علي الأراضي التركية المتاخمة للحدود مع كل من العراقوسورياوإيران، وتترواح أعدادهم إجمالا، في البلدان سالفة الذكر، ما بين 30 و 40 مليون نسمة، يتواجد العدد الأكبر منهم في تركيا (من 17 إلي 20مليون نسمة)، ثم إيران (7ملايين)، ثم العراق (6 ملايين نسمة،) وأخيرا سوريا (4 ملايين نسمة)، وغالبا ما يعيشون في كهوف ومناطق جبلية. عقب هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولي وبدء انهيار الإمبراطورية العثمانية، قامت تلك الأخيرة بتوقيع اتفاقية «سيفر» عام 1920 مع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب، وكان ضمن نصوصها استقلال الكثير من البلدان عن النفوذ العثماني (منها بلاد الحجاز وأرمينيا و كردستان العراق) والسماح للأكراد بإنشاء وطن مستقل لهم يكون مركزه غرب منطقة الأناضول وإقليم الموصل بالعراق، غير أن تولي مصطفي كمال أتاتورك سدة الحكم في تركيا ونجاحه عسكريا في استرداد الكثير من الأراضي التركية من قبضة قوات الحلفاء، أجبرهم علي الجلوس والتفاوض معه ومن ثم توقيع معاهدة جديدة في «لوزان» بسويسرا وذلك عام 1923، حيث ألغت بنود تلك الاتفاقية بنود اتفاقية «سيفر»، وتم الاعتراف بتركيا كوريث شرعي للإمبراطورية العثمانية المنهارة، كما تمكنت تركيا بموجب تلك الاتفاقية من ضم مساحات كبيرة من أراضٍ كانت تابعة لسوريا في الأساس وأبرزها مدينة الإسكندرونة وميناؤها الشهير التي تطلق عليها تركيا اسم «هاتاي»، ومنذ ذلك الوقت تعتبر كل من تركيا والعراقوإيران، الأكراد بمثابة خطر انفصالي يهدد وحدة أراضيهم. من الثابت تاريخياً أن وفدا من الأكراد ذهب لحضور مؤتمر فرساي بفرنسا عام 1919، حاملاً مذكرة للدفاع عن قيام دولة كردية، وأفضي المؤتمر لتوقيع «معاهدة فرساي» التي أسدلت الستار بصورة رسمية علي وقائع الحرب العالمية الأولي، حيث تم التوقيع علي المعاهدة بعد مفاوضات استمرت 6 أشهر بعد مؤتمر باريس للسلام في نفس العام، ووقّع الحلفاء المنتصرون في الحرب اتفاقيات منفصلة مع القوي المركزية الخاسرة (الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية وبلغاريا). وتم توقيع الاتفاقيات في 28 يونيو 1919، ثم عُدِّلت المعاهدة فيما بعد في 10 يناير 1920 لتتضمّن الاعتراف الألماني بمسؤولية الحرب ويترتب علي ألمانيا تعويض الأطراف المتضرِّرة مالياً. وسمِّيت بمعاهدة فرساي نظرا للمكان الذي تمّ فيه توقيع المعاهدة فيه وهو قصر فرساي الفرنسي. وخرج الأكراد من كل تلك المؤتمرات والاتفاقيات بخفي حنين. تركيا كانت ومازالت من أشد المعارضين لوجود أي كيان كردي، كما مارست سوريا حافظ الأسد وعراق صدام حسين أشكالا متعددة من الإنكار للوجود الكردي مع تجاهل حقوقهم الثقافية والسياسية والاجتماعية، وارتكب نظام صدام حسين مذبحة مروِّعة بحق الأكراد عام 1988 حيث ضرب مدينة حلبجة بأسلحة كيماوية فأباد قري بأكملها، بحجة تعاون الأكراد مع طهران في الحرب التي نشبت بين العراقوإيران في الفترة من 1980 إلي 1988. إيران أيضاً كانت من المعادين لأي كيان كردي مستقل، ولكن سلوكها تغيّر في الآونة الأخيرة، وهو ما يشرحه محيي بقوله: «إيران أيضاً أدركت أنه لا مفر من الاعتراف بالأكراد والتحالف معهم، وحينما تنظر للخريطة ستعرف أن أكراد سوريا فقط هم من يستطيعون منحهم ممراً برياً للبحر الأبيض واللاذقية طرطوس حيث يقبع حليفهم بشار الأسد». ولكن هل تعتقد أن تركيا ستقف مكتوفة الأيدي؟ «نفس هذا السؤال وجهته لمسئول رفيع المستوي بحزب العمال الكردستاني فأجاب: هناك ما يقرب من 5 ملايين كردي في أنقرة.. لو خرج منهم نصف مليون فقط بالحجارة لسحقوا رؤوس الأتراك.. كما أن تركيا لها دور سيأتي بعد سورياوالعراق، سنصفي معهم كل حساباتنا». بداية الانتفاضة يقول محيي إن الأكراد هم أول من ثاروا وصنعوا ربيعاً، وبمراجعة التاريخ الحديث يتضح صدق ما قاله المحامي الكردي، حيث اندلعت الانتفاضة الكردية في سوريا في فبراير 2004 علي خلفية عودة القومية الكردية للظهور في مرحلة ما بعد سقوط صدام حسين.. تلك الانتفاضة بدأت في مدينة القامشلي ذات الأغلبية الكردية، في أثناء مباراة كرة قدم بالدوري المحلي بين فريق المدينة وفريق مدينة دير الزور ذات الأغلبية العربية السنية المتاخمة للحدود مع العراق، وبدأت الأحداث حينما ردد جمهور دير الزور شعارات تمجد في الرئيس العراقي صدام حسين وهو ما استفز مشاعر الأكراد فاندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين امتدت لتشمل المدينة بأكملها وامتدت حتي مدينة الحسكة، وهو ما يفسِّر الكثير من الأشياء عن الإحساس الكردي بالتهميش والإقصاء، الذي تم التعبير عنه من جديد عام 2008 بصدور المرسوم الرئاسي رقم 49 لتعزيز الرقابة علي نقل ملكية الأراضي الواقعة علي الحدود، وهو الإجراء الذي اعتبره الأكراد أنه موجه ضدهم، قبل أن يُغيِّر التمرد المسلح علي نظام حكم الرئيس بشار الأسد كل شيء، فسوريا التي كانت أصبحت في عداد الأموات، وأبداً لن تعود.