«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات «التحرير»| تقسيم سوريا.. احتمالات وصعوبات
نشر في التحرير يوم 04 - 05 - 2016

تخيل أنك الآن مواطن سورى، وأيا كانت طائفتك، سنيًّة أو شيعيَّة، مسيحيًّا كاثوليكيًّا أو أرثوذكسيًّا، درزيًّا، أيًّا كان انتماؤك كرديًّا أم عربيًّا، أنت الآن تتجول فى بلادك، سوريا ما قبل الحرب.. حينها ستجد نفسك سابحًا فى محيط بشرى متنوع يتشابك فيه الكل بالكل، المسلم مع المسيحى على الساحل وفى الشمال لا يمكنك تفريق وتمييز مناطق الأكراد من العرب، الحال نفسه فى الجنوب، فالدروز لا يوجد لديهم ما يسمح لهم بالانفصال.. باختصار أنت أمام فسيفساء من العرقيات والطوائف يشكلون الشعب السورى.
أصل الحكاية
فى العقد الثانى من القرن العشرين حينما كانت سوريا قد خرجت من تحت عباءة الحكم العثمانى، وتسلمها الاحتلال الفرنسى تحت مسمى (الانتداب)، حاول الفرنسيون تطبيق ما يتحدث عنه المجتمع الدولى الآن، بالأخص روسيا، ألا وهو تقسيمها إلى دويلات صغيرة على الصعيد المذهبى وقد كان المصير هو الفشل.
غورو وساراى.. حاولا وفشلا
فى العشرينيات من القرن الماضى، أراد رجل يدعى هنرى جورو وظيفته قائد جيوش فرنسا العمل بما سماه "مراسم تقسيم سوريا"، زاعمًا أن شعب الأخيرة غير متمازج أو غير مندمج مع بعضه البعض، ولهذا لا بد من عزل هؤلاء عن هؤلاء، كان هذا عام 1921 ولم تسر التجربة لنهايتها، ففى الأعوام التى تلته ووسط معارضة السوريين للتقسيم فشل المشروع وبعد ثورات وإضرابات واحتجاجات نال أهالى البلد استقلالهم.
عدم التمازج بين المواطنين السوريين كان بالطبع الحجة الظاهرية والرسمية لمحاولة التقسيم.. لكن اسمًا آخر فى صفحات التاريخ يكشف لنا لماذا أرادت باريس إعادة رسم الخارطة السورية، نتحدث هنا عن موريس ساراى، الجنرال المفوض الفرنسى، الذى أعلن أن سوريا شهدت فى فترة العشرينيات العديد والعديد من الثورات حصدت أرواح 5 آلاف جندى فرنسى، فكان لا بد من تقسيمها إلى عدة أقاليم للسيطرة الأمنية عليها وإخماد الاحتجاجات بها.
لم تنجح الخطة وكان لغرف الصناعة والتجارة الفرنسية دور فى فشل المخطط، اكتشفت هذه الغرف أن تقسيم البلاد إلى 4 قطاعات يعيق فكرة الأسواق المفتوحة لتجارتها.
"يصعب الإبقاء على سوريا موحدة إذا طال القتال" القائل جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى أمام مجلس الشيوخ، وهذا ما أوردته ذا دايلى بيست، أحد أبرز المجلات الأمريكية قبل أيام.
من ناحية أخرى سخر مصطفى فحص، كاتب سورى، قبل أيام من السهولة التى يرى بها الكثيرون تحقيق فكرة التقسيم، فى أحدث تحليلاته رأى أن "كل المحيطين باللعبة السورية عاجزون عن وضع صورة نهائية للتقسيم الداخلى"، هذه تصريحات المحلل السياسى فماذا عن الواقع الميدانى والتوزيعات السكانية/ الديموغرافية بل كيف تجيب الجغرافيا السورية عن سؤال: هل يمكن فعلا تقسيم سوريا؟
الوضع بالأرقام
لغة الأرقام تقول 67% من ساكنى الشريط الحدودى بين سوريا وتركيا هم من العرب لا الأكراد، مناطق مثل المالكية والحسكة ورأس العين والقامشلى الكائنة فى الشمال والتى يرى كثيرون أنها ستكون ضمن نطاق دولة كردية مستقلة، هى بالأساس قوامها من العرب لا الأكراد، مما قد يصعب تصور فيدرالية مستقلة للأكراد هناك.
بنفس أداة القياس نعرج على فكرة إقامة دولة علوية، التى يقف أمامها نفس العائق، وهو التوزيع السكانى، ففى بداية حكمه نقل الرئيس الأسبق حافظ الأسد، العلويين من أبناء طائفته الذين كانوا يعانون الفقر والتهميش، إلى أماكن أكثر حداثة ومدنية ورفاهية، ووضعهم فى أماكن متفرقة بمدن الدولة لعدة أسباب، على رأسها التحكم من خلالهم فى مفاصل سوريا، وتشتيتهم كى لا يفكروا بالثورة عليه، استخدم الأسد الأب أسلوب تطويق المناطق السنية بأحياء كاملة من العلويين الشيعة التابعين له، حول العاصمة دمشق ظهرت أحياء (تشرين) و(السومرية) وغيرها، وفى مدن الساحل السورى كاللاذقية وطرطوس فوجئت الأغلبية السنية بإنزال العلويين هناك فى أحياء مثل (الجامعة) و(الزراعة) وغيرها أيضًا.
كانت النتيجة هى تشرذم وتشتت العلويين فى أنحاء سوريا واندماجهم فى المحيط البشرى لباقى الطوائف والأعراق الأخرى، مما يجعل من الصعب فى النهاية نظرًا للتداخل والتعايش والتاريخ المشترك بينهما، أن تقوم دولة علوية فى مكان معين من الأرض السورية.
الصعوبات التى تواجه التقسيم
نبدأ من الشمال، يدور الحديث عن دولة كردية، لكن فى نفس الوقت هناك تركيا التى ترى فى الأكراد الشيطان الأكبر المهدد لمصالحها، وجود كتلة بشرية كبيرة داخل أراضيها من هؤلاء العرقية يناضلون منذ عقود لنيل استقلالهم عن أنقرة يجعل من فكرة قيام دولة (كردستان سوريا) كابوسا فى رأس تركيا، إذا استقل أكراد سوريا ماذا يمنع أشقاؤهم فى تركيا من فعل نفس الشىء.. الأمر ذاته يمكن قوله عن إيران التى تضم بين أراضيها كتلًا سنية تريد الانفصال عنها.
جهاد فاضل، صحفى وخبير سياسى لبنانى، يؤكد هذا المعنى فى آخر تقييماته للوضع السورى "دولة (كردستان سوريا) غير قابلة للتحقيق، فالموقف التركى يرفض) متحدثا أيضا عن العائق السكانى "عدد الأكراد فى الشريط السورى المتاخم لتركيا أقل من نظيره العربى الذى يؤلف غالبية سكان هذا الشريط، سواء كانوا من السنة أو الشيعة".
إذا كان الأمر كذلك، لماذا يلعب الكثيرون، ومن بينهم موسكو، منذ فترة على معزوفة واحدة هى ضرورة فدرلة وتقسيم سوريا وإقامة دول علوية على الساحل.. يجيب فاضل عن هذا السؤال بأن الموقف الروسى يرى فى دولة علوية تعزيزًا لنفوذه بالبحر المتوسط حيث قواعد موسكو البحرية والمطارات العسكرية، وحينما تنشأ دولة علوية خاضعة للروس ومؤتمرة بأوامرهم، سيكون هذا من مصلحة موسكو فى المقام الأول، ووفقًا لفاضل فإن "فيدرالية كردية أيضا تضم مناطق (الحسكة) و(عفرين) و(كوبانى) على طول الحدود السورية مع تركيا هى كنز أيضًا لروسيا، لأنها ستفصل الأتراك عن عرب سوريا، وستشكل خنجرًا مسمومًا فى خاصرة أنقرة، التى ساءت علاقاتها وتدهورت مع موسكو منذ العام الماضى بعد إسقاط تركيا طائرة عسكرية روسية على الحدود مع سوريا، ورغبة الرئيس بوتين فى الانتقام.
التطهير والتهجير.. كلمتا السر
على الرغم من صعوبة سيناريو التقسيم فإن العديد من الوقائع القتالية التى شهدها مسار الحرب فى سوريا كان كناقوس خطر وجرس إنذار ومصابيح حمراء تنبئ باحتمال اتجاه البلاد فى هذا المنحى، الفدرلة والتجزىء.. حى الوعر أحد أشهر أحياء مدينة حمص السورية تعرض لما سماه المعارضة مؤخرًا "تهجير مذهبى لأبنائه السنة" وبعد قتال دام لفترة بين النظام والرافضين له، تم التوصل إلى اتفاق يفتح النظام الطريق لدخول مساعدات إنسانية ومواد غذائية إلى الحى، ثم خروج 300 من المقاتلين المعارضين إلى ريف إدلب، ويترافق ذلك مع وقف لإطلاق النار، بينما يتم تنفيذ الاتفاق على مدار أربعة أو ستة أشهر.
كانت قوات النظام قد حاصرت "الوعر" من جهاته المختلفة، لذلك لم يعد هناك خيار أمام المعارضة السورية سوى القبول بالاتفاق وإلاّ المزيد من المجازر والويلات بحق المدنيين والنساء والأطفال.
دفعت هذه الواقعة عددًا من المراقبين إلى القول بأن "هناك عملية تهجير طائفى ممنهج كجزء من مخطط التغيير الديموغرافى الذى تنفذه إيران والمدعوم من روسيا من أجل الوصول إلى قطاع يسيطر عليه بشار الأسد ويحفظ بقاءه يمتد من دمشق، القلمون، حمص، مرورًا باللاذقية وصولًا إلى الساحل السورى"، لافتين إلى أن "البداية كانت مع تهجير أهالى القصير على الحدود الشرقية من قبل قوات الأسد وحزب الله".
تحذيرات أطلقها عبد الوهاب بدرخان، كاتب صحفى ومحلل سياسى، اتخذت نفس البعد، متحدثًا عن "استخدام الرئيس السورى (جيش الدفاع الشعبى) لإشعال الحرب الأهلية بشكل تدريجى ليسمح بتطهير عرقى وطائفى، يؤدى فى النهاية لرسم الحدود التى يريدها للدولة العلوية، ولهذا يدور القتال فى كل من حمص ودمشق، من أجل إعادة توزيع السكان والمناطق".
لنعد بالزمن للوراء قليلا، ديسمبر 2012.. أواخر العام الأول للحرب الأهلية السورية، كان هناك من يرى أن حربًا طائفية شاملة بين السنة والشيعة وتطاحنًا بين الأكرد والعرب يمكنهما فقط تقسيم البلاد مثلما حدث فى العراق، لكن الدراسة التى ضمت هذا الحديث وأجراها كل من سونر جاغتباى –من معهد واشنطن- وباراغ خانا –مؤسسة أمريكا الجديدة- ورغم سوداويتها فإنها رأت أن هذا التقسيم لو تم لن يؤدى إلى استقلال تام للمناطق المنفصلة من سوريا، كما استبعدت الدراسة سماح أنقرة باستقلال كردى على حدودها مع سوريا، فى ظل رغبات أكراد تركيا فى الاستقلال عن الأخيرة.
خارطة العرقيات والطوائف على الأرض
على الأرض يمكن رؤية الواقع بصورة أكثر دقة، ولنبدأ من الشمال، حيث الأكراد الذين يحلمون بإنشاء دولة كبرى بعد أن تم منحهم الحكم الذاتى فى شمال العراق، وبالنظر إلى توزيعاتهم على الأرض سنجد أنهم أكبر أقلية عرقية بالبلاد ويشكلون أقل من 10% من سكان البلاد، معظمهم من المسلمين السنة، وبعضهم من اليزيديين إضافة إلى عدد قليل من المسيحيين والعلويين الأكراد.
ويعيش معظمهم فى محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، فى القامشلى وراس العرب، وفى بلدتين صغيرتين بمحافظة حلب الشمالية، هما عين العرب (كوبانى) وعفرين (جبل الأكراد) والمناطق المحيطة بهما، وهم يشكلون اليوم الغالبية فى هاتين المنطقتين.
مباراة كرة قدم وراء مطالب الأكراد بالاستقلال
والغريب أن مباراة كرة قدم فى منطقة القامشلى جرت قبل 10 أعوام كانت من الأسباب التى زادت من دعوات الأكراد للانفصال، الواقعة جرت بملعب كرة قدم فى القامشلى وقتل فيها العشرات كما جرح أكثر من 160 آخرين واستخدمت فيها قوات الأمن السورية الذخيرة الحية ضد المدنيين الأكراد بعد اشتباكات اندلعت خلال المباراة بينهم وبين المشجعين العرب لفريق يتبع مدينة دير الزور، كما اعتقل مئات الأشخاص من الأكراد لتمتد احتجاجاتهم لجميع المدن.
وفى ظل كراهيتهم المكتومة للنظام التى زاد منها تحريم استخدام لغتهم بالمدارس وحظر نشر كتبهم وصحفهم، كان من الطبيعى أن يلحق الأكراد بركب الثورة ضد نظام الأسد مع بدايتها عام 2011، بل إن أول إجراء تمييزى ضد الأكراد كان يطلق عليه "مشروع الإحصاء الاستثنائى" والذى صدر عام 1962 وحرم أكثر من سبعين ألف كردى من الجنسية السورية، لهذا فالعداء له جذور قديمة.
"الحزام العربى" هو اسم مشروع آخر قام به النظام السورى مطلع السبعينيات، وكان يهدف إلى تفريغ الشريط الحدودى بين سوريا وتركيا فى محافظة الحسكة بعمق 10 إلى 15 كم من سكانه الأكراد الأصليين، وتوطين أسر عربية بدلا عنهم لقطع أواصر الارتباط الجغرافى بينهم وبين أقربائهم وامتداداتهم القومية خارج الحدود السورية.
واستغلت السلطات فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضى الزراعية كى تستولى على أراضى الفلاحين الأكراد لإقامة مزارع نموذجية مزودة بالمياه والمدارس والحماية الأمنية، وتمليكها لفلاحين عرب غمرت مياه السد قراهم، وبالفعل تم توطين أكثر من أربعة آلاف أسرة عربية فى الشريط الحدودى وتوزيع أكثر من 700 ألف دونم من الأراضى المصادرة عليهم.
تعريب أسماء القرى والبلدات الكردية خطوة أخرى من النظام رأى فيها الأكراد ظلمًا فادحًا دفعهم للمطالبة بالانفصال، علاوة على تجريد عشرات آلاف منهم من الجنسية السورية وبالتالى من حقوق المواطنة.
الأكراد والجيش السورى الحر
وفى ظل ما سبق كان طبيعيا أن يحارب الأكراد النظام السورى حينما بدأت الأحداث هناك تأخذ شكلا دمويًّا، لكن مع الحذر فى نفس الوقت من الجيش الحر الذى يشن عمليات عسكرية ضد النظام أيضًا، فالأكراد يرون فى الأخير مخلبًا لتركيا يتلقى منها السلاح والتدريب والدعم اللوجستى والاستخباراتى، ويعتقدون أن الحر له أجندة بفعل التأثير التركى، من بينها إقصاء المكوِّن الكردى فى سوريا.
الأكراد يرسمون حدود دولتهم القادمة بمساحة أكبر من لبنان
الأكراد لا يكتفون بالدعوات للانفصال بل لديهم مراكزهم البحثية التى تعد الخرائط لدولتهم المقبلة، إذ قام مركز "ياسا" للدراسات والاستشارات القانونية، بإعداد خريطة جغرافية لما سماه ب"إقليم كردستان سوريا" فى المنطقة التى يشكل الكرد أغلبية سكان مدنها فى الشمال.
وتبدأ حدود الإقليم الكردى الذى يقترب من مساحة لبنان -حسب الخريطة- من قرية "عين ديوار" بمحافظة الحسكة الشمالية وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربى عند لواء إسكندرون، وتظهر الخريطة مدن الشمال الرئيسة، ونسبة كل قومية فيها من كرد وعرب ومسيحيين آشوريين.
جيان بدرخان، رئيس المركز، أكد حق الأكراد فى دولة بهذه الأبعاد فى تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام قال فيها إن "الخريطة تتناقض مع التقسيم الإدارى للدولة السورية، لكنها تتوافق مع الوجود الكردى الحالى فى مناطق يقطنونها منذ قرون"، مشيرًا إلى أن عدد أكراد سوريا يبلغ 3 ملايين أغلبهم يعيشون فى مدن الشمال السورى، يشاركهم أقليات عربية ومسيحية.
وعن الوجود العربى فى هذه المدن قال: "أعداد العرب ضئيلة هناك، منهم الموظفون وأبناء العشائر الذين عاشوا فى المنطقة منذ عقود طويلة، كذلك المسيحيون وهم من السكان الأصليين للإقليم الكردى"، لافتا إلى أن "الخريطة تمثل الإقليم الذى تخضع إدارته للكرد مع مشاركة المسيحيين والعرب الأصليين فى ذلك والتركمان فى بعض القرى التى يوجدون فيها غرب الفرات".
ماذا يملك الأكراد لبناء دولة؟
أى دولة لا بد من وجود قوة تحميها كى تستمر.. الأكراد يعتمدون فى فيدراليتهم التى أعلنوها والتى قد تكون بداية للانفصال على "وحدات حماية الشعب".. وهى الجناح العسكرى لحزب الاتحاد الديمقراطى، تضم 50 ألف مقاتل، كما هناك "قوات سوريا الديمقراطية"، وتتكون من فصائل عسكرية كردية وعربية، "الأسايش" أيضًا من ضمن معادلة القوة الكردية، ويمثلون عناصر الشرطة، التى كان لها دور أساسى فى إقامة نظام الإدارات الذاتية بمدن الحسكة وكوبانى وعفرين، ومواجهة تنظيم "داعش" فى الشمال السورى.
هذا على الصعيد العسكرى ماذا عن الموارد الاقتصادية التى تمثل مصدر قوة واستقرار آخر لأى دولة، واقع الحال أن سيطرة الأكراد على الكثير من الحقول النفطية ومعامل الغاز ومحالج القطن وإيرادات الضرائب والرسوم الجمركية، كل هذا يمثل حصونا قد تحمى انفصالهم عن سوريا إن تم.
أكراد سوريا يقتدون بنظرائهم فى العراق
والمراقب للمشهد السورى فى الشمال سيجد أن الأكراد قد قطعوا شوطا طويلا من أجل الانفصال، سواء بإنشائهم مؤسسات وأجهزة إدارية شبيهة بنظيرتها لدى الدول ومن بينها هيئة التربية والتعليم، ووحدات حماية الشعب، التى بمنزلة وزارة دفاع وقوات الأسايش بمنزلة وزارة داخلية، ويشجع الأكراد السوريون على موقفهم الاتجاه الذى يسلكه نظراؤهم فى العراق، وإصرار إقليم كردستان العراق على تحقيق الانفصال عن الحكومة المركزية، فى ضوء تكرار رئيسه مسعود بارزانى عزمه إجراء الاستفتاء على الاستقلال، وهذا على الرغم من أن الوجود الكردى فى الجارة الشمالية لا يتخلله عرقيات أخرى عربية وتركمانية وعلوية وأشورية كما الحال فيما يعرف بكردستان سوريا.
هل يسهم الدب الروسى فى انفصال الأكراد؟
غير خاف الدعم الروسى الذى يحصل عليها الأكراد، وفى ظل تصاعد لغة الانتقام بحق أنقرة بعد إسقاط المقاتلة الروسية منذ شهور، حيث عززت موسكو قوة حزب الاتحاد الديمقراطى وقوات سوريا الديمقراطية الكرديتين، وكثفت غاراتها على المناطق الشمالية من حلب لقطعها نهائيا عن تركيا، لتمكين الأكراد من فرض سيطرتها على مناطق واسعة.
بيان للكرملين كشف أيضًا عن نقاشات أجراها خبراء روس مع نظرائهم الغربيين حول موضوع الفيدرالية كحل لبنية الدولة السورية المستقبلية وعدم استبعاد سيناريو كوسوفو، وهو الحل الذى يتضمن "مثلث علوى"، بينما يسيطر الأكراد على المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لتكون منطقة حكم ذاتى، كما افتتحت روسيا مؤخرًا ممثلية (غرب كردستان) فى عاصمتها موسكو فى خطوة لها دلالاتها السياسية والرمزية.
هل يسير العلويون والدروز على نهج الأكراد؟
الفيدرالية التى أعلنها أكراد سوريا قد تعطى حافزًا لأبناء الطائفتين العلوية والدرزية ليسلكوا نفس الخطوة بالسيطرة على مناطق نفوذهم، ومنذ عام 2012 وأعلام "الدولة العلوية" تنتشر فى عدد من القرى السورية لتؤكد تجدد نزعة الانفصال لدى أبناء هذه الطائفة التى ينتمى إليها الرئيس السورى نفسه، والعلويون هم طائفة من الشيعة الإمامية يسكن معظمهم سلسلة جبال ممتدة من عكار جنوبًا إلى طوروس شمالًا، ويتوزع بعضهم فى محافظات حمص وحماة ودمشق وحوران، ويمثلون بين 10 إلى 15% من السوريين.
العودة إلى الماضى تتيح لنا ملاحظة دعوات من هذا النوع، فقبل الاستقلال عن فرنسا، انقسم وجهاء الطائفة بين مؤيد للوحدة ضمن الأراضى السورية وبين معارض لها أطلق عليهم (الاستقلاليون)، وبعث بعض وجهاء الطائفة ببرقية للحكومة الفرنسية يطالبونها فيها بعدم الانسحاب من سوريا خوفًا من تعرضهم للاضطهاد السنى.
ومؤخرًا أعلنت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها فيليب هاموند، أن روسيا قد تستغل مفاوضات جنيف لاقتطاع دولة علوية لحليفها الرئيس السورى بشار الأسد شمال غرب سوريا، كما تحدثت تقارير دولية عن عمليات نقل وتخزين للأسلحة الثقيلة والسلع الاستراتيجية فى مناطق الساحل السورى، استعدادًا للتنفيذ الفعلى لهذا المشروع، وستضم الدويلة العلوية الجديدة التى تتحدث عنها بريطانيا المنطقة المحيطة بالعاصمة دمشق، والساحل السورى كاملا، أى ما يشكل حوالى 25% من مساحة سوريا،
هذا فى وقت يرى فيه مراقبون أن تسهيل عملية إخراج النازحين السنة من سوريا، وإرسالهم إلى أوروبا وتركيا، مع التضييق على سفر أبناء الطائفة العلوية مرتبط بالدولة الجديدة، من بينهم غسان عبيدو المعارض السورى الذى صرح مؤخرًا أن "النظام السورى بدأ بالفعل فى رسم الدولة العلوية الجديدة".
ويشير المراقبون إلى أن النظام السورى يقاتل فى مناطق معينة باعتبارها ذات أهمية استراتيجية أكبر من بقية الأرض السورية، لافتين إلى أن جهوده تنصب على إخلاء دمشق وجوارها من السكان وفقًا لخطة بدأت فى القصير والقلمون، وهى مستمرة فى الزبدانى ومحيط دمشق الغربى، ثم بعد ذلك الانتقال إلى الغوطة الشرقية واستكمال السيطرة على ما تبقى من جنوب دمشق.
وماذا عن الدروز.. مسمار جحا الإسرائيلى
يبلغ عدد المنتمين إلى طائفة الدروز حوالى مليون نسمة، موزعين بين سوريا التى تضم مئات الآلاف منهم، وهناك من يعيش منهم فى لبنان وشمال إسرائيل، ويقدر عدد الدروز فى المهجر بالولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها بنحو 100 ألف.
والمراقب لتطورات الحرب السورية يلاحظ أن أبناء هذه الطائفة حاولوا دائما البقاء خارج الصراع على الرغم من الاعتداءات التى تعرضوا لها والتى بدأت باغتيال جنديين سوريين لضابط درزى.
ويعتبر الدروز هم "مسمار جحا" بالنسبة لإسرائيل والذريعة للتدخل فى الشأن السورى فخلال الأعوام الماضية زادت وكثرت التصريحات الإسرائيلية عن ضرورة حماية الدروز فى سوريا والذين تجمعهم بنظرائهم فى الشمال الإسرائيلي وحدة الطائفة والعرق، بل وطالبت تل أبيب الأمم المتحدة والصليب الأحمر بإنشاء منطقة آمنة لهم على الجانب السورى من مرتفعات الجولان مما يثير علامات استفهام وسؤال بات ملحًّا: هل ترغب تل أبيب فى احتلال وابتلاع جزء جديد من الجنوب السورى فى ظل الحديث عن الفدرلة بالبلاد متذرعة بمعاناة الدروز.
أوباما يعلن فشل فكرة التقسيم.. مناطق نفوذ أفضل
لعل تصريحات أدلى بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما تكون هى أفضل دليل على صعوبة تطبيق فكرة تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة سواء طائفية أو عرقية، فقبل أيام وعلى وقع تعثر المباحثات الأخيرة بالعاصمة السويسرية جنيف، بين وفدى الحكومة والمعارضة السورية، اقترح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى تقاسم العمل على الأرض السورية مع موسكو إلى 3 مناطق نفوذ، تتولى روسيا المسؤولية عن الأولى فى حين تتولى واشنطن المسؤولية عن الثانية، أما الثالثة فتكون منطقة "لعب نظيف" بين الجانبين، بشرط عدم التداخل فى العمل، بسبب الخلافات فى وجهات النظر بينهما على المستوى السياسى، لا سيما على صعيد مصير الرئيس السورى بشار الأسد.
الأمر عارضته روسيا التى انتقدت المقترح، معلنة أن موسكو تدعم التعاون مع واشنطن على أساس المساواة، ولا يجب أن نقسم سوريا إلى مناطق نفوذ".
حلب الجريحة.. نموذجًا
وتعد مدينة حلب نموذجا مصغرا لما تشهده سوريا من اختلاف مناطق النفوذ بها بين القوى المتصارعة وصعوبة تقسيمها فى نفس الوقت، خاصة أن كل جانب يريد طرد الآخر والاستيلاء على كامل الأرض، فى الجزء الشرقى من المحافظة يتمركز تنظيم داعش وجماعات المعارضة كالجيش الحر وجبهة النصرة.. فى حين يسيطر النظام السورى والميليشيات الشيعية على الغرب.. ويستحوذ الأكراد على الشمال وخاصة على مدينة عفرين.
يرسل النظام طائراته فتلقى البراميل المتفجرة تحت غطاء جوى روسى فتقصف المنازل والمستشفيات والأسواق، لترد الجماعات المعارضة بقذائف الهاون على مناطق سيطرة النظام.
أما الشمال فيستمر القتال بين الأكراد وداعش وبعض جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، التى تخشى من سيطرة الأكراد على الحدود وتبذل قصارى جهدها لدحرهم، وفى الجنوب أيضًا والذى تسيطر عليه المعارضة المعتدلة يحاول داعش الاستيلاء عليه من ناحية، ويحاول النظام السورى استعادته من ناحية أخرى ليقع مزيدًا من الضحايا المدنيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.