كانت المسألة مجرد شائعات واتهامات متناثرة دون دليل حتى ذهبت السفيرة الأمريكية آن باترسون للجنة العلاقات الخارجية, وأعلنت أن الإدارة الأمريكية تمول بعض الجمعيات المصرية بنحو 40 مليون دولار، لم تمر هذه الأموال عبر القنوات الشرعية ولكنها تسللت مباشرة من الإدارة للجمعيات، كانت هذه هى البداية لمحاولة الإدارة الأمريكية اختطاف الثورة والإيحاء بأنها صناعة أمريكية تبرر فيها الانحياز السابق وشبه المطلق للنظام السابق. وبمنطق أن المريب يكاد يقول خذونى تزامنت حملة سياسية وإعلامية شرسة من الداخل المصرى (من المستفيدين من التمويل) ومن الخارج الأمريكى على كل المستويات الإدارة والكونجرس ووزارة الدفاع والإعلام وبدت اللهجة الأمريكية بعيدة تماما عن الأعراف الدبلوماسية واللياقة السياسية بالتهديد والوعيد، والمطالبة بالكف فورا والإفراج ووقف التحقيق مع المنظمات الأمريكية التى تعمل بشكل غير رسمى، وشعر المصريون وربما لأول مرة منذ أيام عبد الناصر أن هناك إصرارا لاحترام السيادة الوطنية والقانون المصرى. من غير المطروح أن تستغنى الولاياتالمتحدة عن مصر بالكامل، ولكن أولوية مصر على قائمة الاهتمامات فى إدارة الشئون الأمريكية بالمنطقة قد تتأثر بالسلب، خاصة أن هناك خطأ كبيرا ارتكبته مصر فى أعقاب حرب أكتوبر 1973 حول ما يسمى ب"أحادية المورد العسكرى" بأن الثمن يُدفع اليوم حيث أن الولاياتالمتحدة المصدر الرئيسى للسلاح باعتبارها قوة عظمى مهيمنة على التقدم التقنى العسكرى، وقد تتأثر مصر بدرجة كبيرة لأن هناك تعديلات فنية على أنظمة السلاح الأمريكى لدينا وهناك قطع غيار وارتباطات مطلوب استمرارها لضمان جاهزية القوات المسلحة المصرية. إن الولاياتالمتحدة لها مصلحة فى المساعدات مثل حاجة مصر إليها، لأنها وسيلتها لممارسة نفوذ استراتيجى. التمويل الأمريكى المباشر لمنظمات المجتمع المدنى المصرية والأمريكية بلغ 175 مليون دولار أمريكى خلال الفترة من عام 2005 وحتى عام 2011، منها حوالى 105 ملايين دولار تم تقديمها من الجانب الأمريكى خلال فترة 7 أشهر فقط وهى الفترة من فبراير وحتى سبتمبر 2011، فقد أعلن الجانب الأمريكى بقراره الأحادى بإعادة برمجة مبلغ 40 مليون دولار من برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، وكذلك تأكيد السفيرة الأمريكية فى القاهرة بأن واشنطن خصصت حتى صيف 2011 مبلغ 105 ملايين دولار للمجتمع المدنى فى مصر والمنظمات الأمريكية العاملة فى مصر، بالإضافة إلى ما ورد من الجانب الأمريكى فى إخطارات بمبالغ التمويل. إن مصدر معظم مبالغ التمويل المشار إليها تم استقطاعه من المبلغ المخصص من برنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية بقرار أحادى الجانب من أمريكا وأن طبيعة الأغراض التى كانت تلك المبالغ مخصصة لها بحسب الأصل، مبلغ 150 مليون دولار أمريكى كان بالفعل مخصص لعدد من المشروعات التنموية فى مجالات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحى باتفاق مشترك بين الجانبين المصرى والأمريكى من خلال الاتفاقيات المعتادة فى هذا الشأن والتى تم توقيعها بين الطرفين، ثم تم اتخاذ الإجراءات الدستورية بشأنها وصدرت موافقة مجلس الشعب المصرى بالتصديق عليها. ومن مظاهر ممارسة المنظمات الأجنبية على أرض مصر يمكن رصد حرص هذه المنظمات على استقطاب شرائح بعينها غالبا ما تكون من طلبة الجامعات والعمال والصحفيين، وكذلك تركيزها على موضوعات ذات حساسية خاصة كوضع العمالة أو وضع الأقباط فى مصر، وغيرها من موضوعات ذات طبيعة وطنية خالصة، إلى جانب تنظيم مؤتمرات حول موضوعات بعينها وجمع المعلومات والإغراء بمهمات إلى السفر للخارج مدفوعة التكاليف تحت عناوين التدريب والإطلاع. د.عادل عامر - رئيس مركز الجبهة للدراسات السياسية والقانونية