أصابتنى الدهشة والحيرة من التناقض بين تصريحات الوزراء فى الحكومة الحالية حول قضية التمويل الأجنبى.. ففى الوقت الذى أعجبتنى فيه تصريحات فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، حول هذا الموضوع حيث تكلمت بصراحة وشفافية كاملة وكشفت المستور وكشفت (المتمولين) من الخارج وقالت فايزة أبوالنجا فى فى شهادتها بالتحقيقات فى قضية التمويل الأجنبى أن أمريكا استخدمت التمويل المباشر للمنظمات بعد الثورة للعمل على إيجاد حالة من الفوضى لإجهاض فرصة تاريخية حقيقية أمام مصر تمكنها من استعادة مكانتها إقليميا ودوليًا. وقالت وزيرة التخطيط والتعاون الدولى إن المنظمات الأمريكية حرصت على استقطاب شرائح بعينها, غالبًا ما تكون من طلبة الجامعات والعمال والصحفيين, وكذلك تركيزها على موضوعات ذات حساسية خاصة مثل وضع العمالة أو الأقباط, وغيرهما من موضوعات ذات طبيعة وطنية خالصة, إلى جانب تنظيم مؤتمرات حول موضوعات بعينها, وجمع المعلومات والإغراء بمهمات سفر إلى الخارج مدفوعة التكاليف تحت عناوين التدريب. فى السياق نفسه اعترف المستشار محمد عبدالعزيز الجندى وزير العدل السابق، أن جزءا ليس بالقليل من التمويل الأجنبى بعد الثورة ذهب إلى البلطجية لتنفيذ أجندات خارجية وإثارة الفوضى وحرق المنشآت العامة والخاصة. فى المقابل لهذه التصريحات الوطنية والشجاعة.. نشرت مجلة ( time) الأمريكية تقريرًا منذ أيام كشفت فيه أن هيلارى كلينتون هددت وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو بقطع المعونات عن مصر- وهو ما لم يحدث حيث اعتمدت الولاياتالمتحدة مساعدات لمصر فى العام القادم تبلغ مليارًا و550 مليون دولار - فى حال الإصرار على محاكمة الأمريكيين ال19 الذين تمت إحالتهم لمحكمة الجنايات فى قضية التمويل الأحنبى.. ونشرت(التايم) على لسان محمد كامل عمرو أنه قال لكلينتون إن السلطات المصرية بذلت كل ما فى وسعها للاستجابة للمطالب الأمريكية ومنع إحالة مواطنيها للمحاكمة فى هذه القضية لكنها – أى السلطات المصرية – لا تستطيع احتواء ثورة غضب الشارع إذا استجابت للمطالب الأمريكية. وفى تصورى الخاص أن هذا الاعتراف الشخصى من وزير الخارجية لهيلارى كلينتون يجب أن يكون محل تحقيق ومحاسبة من جانب مجلس الشعب بصفته الجهة الرقابية الأولى فى مصر وكذلك من الجهات القضائية المحترمة, لأن كلام الوزير المنشور فى مجلة التايم العالمية والواسعة الانتشار والذى لم يتم نفيه أو تكذيبه يمثل إهانة بالغة للقضاء المصرى ويؤكد لكل من يقرؤه أن القضاء المصرى أصبح مسيسًا ويخضع للأهواء الشخصية والضغوط السياسية.. وهذا الكلام ستكون له تداعيات خطيرة سواء على المستويين السياسى والشعبى وأيضًا فى المجال الاقتصادى والاستثمارى وسيؤدى إلى هروب الاستثمارات الأجنبية والمصرية للخارج لأن الأحكام القضائية فى مصر تخضع- وفقا لكلام وزير الخارجية- (للمزاج) وليس لمعايير الحق والعدالة. وفى النهاية تتبقى عدة تساؤلات نتمنى الإجابة عنها لكشف الحقائق للرأى العام منها: إلى متى يظل المجلس العسكرى الذى يدير البلاد حاليا مصرًا على عدم الكشف عن التفاصيل والأسرار التى يمتلكها عن خفايا عمليات التمويل الخارجى لعدد– وليس كل – من شباب الثورة؟ وهل المجلس العسكرى لديه ما يخشاه من ضغوط خارجية عامة وأمريكية بصفة خاصة فى حال الكشف عن بقية العملاء والخونة فى مصر؟ والسؤال الأهم هو: هل صحيح أن المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، طالب الوزراء بتخفيف حدة تصريحاتهم وهجومهم على المنظمات الأمريكية عقب اجتماعه هذا الأسبوع مع رئيس هيئة الأركان الأمريكية والوفد المرافق له أثناء زيارتهم الأخيرة لمصر؟