اليوم إضراب وغدًا خراب ، لكن إياك أن تسمى الخراب باسمه ، بل سمّه " فعلا ثوريا مسئولا " كى تجارى الأحداث وتركب الأمواج، وإلا ابتلعك طوفان الشتائم فى الفيس وتويتر . وإياك أن تتكلم فى المليارات التى ستخسرها مصر بسبب الإضراب ، لأن الجواب الدامغ من الداعين للإضراب : كم ستساوى هذه المليارات بجانب سرقات مبارك؟ وإياك أن تتكلم عن حال الشعب الذى يرثى له، وهل سيتحمل مزيدا من الضغط الاقتصادى ، لأن العباقرة قد أجابوا بأن المليارات التى ستخسرها البورصة هى لرجال مبارك لا للشعب! وإياك أن تقول: يفصلنا عما يطالب به الواقفون خلف الاضراب شهر وبضع ليال ، كى يفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة ، ويكتمل بناء مؤسسات الدولة ، ونعرف من نسأل ومن نحاسب، فلم نزهق روح اقتصاد يكاد أن يحتضر لولا لطف الله؛ فقد كفاك أهل الإضراب هذا الجواب، وقالوا : المجلس العسكرى عرى بناتنا وسفك دمائنا ، ولا نصبر عليه ساعة من نهار ولو احتضرت مصر وأزهقت روحها فى سبيل ذلك! وإن كان كبر عليك فهم هذه الفذلكة السياسية ، وضربت كفا بكف وحوقلت واسترجعت ، أو توجهت إلى الجدار ووجهت إليه ضربات رأسٍ متتالية لتفهم هذه النظرية العبقرية ، فهل فهمت ما قبلها يوم أحرقت المبانى الحكومية المملوكة للشعب احتجاجا على سياسات المجلس العسكرى ، أو يوم استمات بعضهم لاقتحام وزارة الداخلية لتقصير بعض قيادتها أو تورطهم فى كارثة بورسعيد؟ وهل فهمت أن إطلاق الوزارة غازا مسيلا للدموع لإبعاد المقتحمين عن اقتحامها هو جريمة ضد الثوار ، وأن الواجب فى مثل هذه الحالات هو تقديم " البنبونى " و" الشيكولاته"! وهل فهمت أن كل حفنة من الناس يكوّنون ائتلافا ويتكلمون باسم الثورة، أو يدعون إلى محاصرة مبنى حيوى ك"ماسبيرو" ، أو يتلفظون بشتائم يندى لها الجبين وتحمر منها خدود العفيفات ، ومع ذلك يأبى عليهم إنصافهم وحسهم الوطنى إلا أن يستهلوا مطالبهم ويختموها ب" الشعب يريد"!! وهل فهمت أيضا أن مجلس الشعب قد أصبح فاشلا ، ولا شرعية له، وأن هذا الحكم المنصف جاء بعد جلساته التى عقدها وإن كانت تعد على أصابع اليد الواحدة ، وهل فهمت أن الشعب الذى اختار البرلمان يريد إسقاط البرلمان كما ينادى به الذين يجعلون كل آرائهم وأفكارهم الشخصية أو الحزبية هل رأى الشعب كله. وهل فهمت أن القنوات الفضائية والصحف الخاصة التى هى مملوكة لرجال أعمال كانوا على وفاق ووئام تام مع نظام مبارك ، تحولت الآن إلى راعٍ إعلامى للثورة يجعل من تجمع العشرات مظاهرة مليونية ، ويجعل كل ساب للجيش والشرطة ثائرا بطلا، ومن كل منتقد للتخريب والفتنة فلوليا خائنا؟ افهم أو لا تفهم ، فالشرذمة ذات الصوت العالى بات لا يعنيها أن نفهم أو لا نفهم.