لا جدال فى أن كل من كان قبل عام من الآن مضطهدًا ومطاردًا ومقهورًا بسبب أفكاره وانتماءاته هو مدين لثورة 25 يناير بما هو عليه الآن من حرية، ويجب أن نقولها صريحة معترفين بالجميل لكل ثائر حقيقى خرج فى الثمانية عشر يومًا المجيدة، وبكل اعتزاز: "نحن نعيش فى خيرك"، نعم، بل ونتقلب فى هذا الخير، ونجنى حصاد ما زرعه هؤلاء الثوار ورووه بدمائهم وعرقهم، حتى أزاحوا عنا غمة رزحنا تحتها سنين طوال. إلا أننا مع إقرارنا للثوار بهذا الفضل، لا نخلع العصمة على أحد منهم أيًّا كان، ولا نقول لهم: افعلوا ما شئتم فقد سلَّمنا لكم، ولن نقبل من أحدهم (فردًا كان أو فصيلاً) أن يستأثر بالفضل ويحتكر الثورة ووسائلها ونتائجها لنفسه دون بقية الثوار، وبعيدًا عن اختيار هذا الشعب الذى قامت به ولأجله هذه الثورة. إن أهم ما ميز الثورة المصرية هذا التوحد العجيب حول أهدافها، بين تيارات وفصائل متباينة الأفكار والرؤى، وهذه العاطفة التى جمعت كل الثوار وألفت بين قلوبهم، إلا أن الهاجس الذى أرقنا صبيحة رحيل مبارك، قد بدأنا نراه واقعًا، هاجس الفرقة والتنابذ والتناحر، فصرنا نرى البعض من رفقاء درب الثورة يلعنون ويتهمون من كانت يده بيدهم بالأمس، ويدعون الوصل وحدهم بهذه الثورة والصلة بهذا الشعب والتحدث باسمه، والمطالبة بحقوقه وحقوق شهدائه، والعجيب أن الشعب نفسه لم يقر لهذه الفئة بذاك، فالشعب قد حدد اختياره وقال كلمته، واعتمد الطريق الذى يصل به إلى حقوقه عبر خطوات محددة ومؤسسات منتخبة، وتغيير تدريجى لا يمكن اعتماد غيره لإصلاح ما تراكم عبر السنوات الطوال من فساد واستبداد، واسألوا الميادين وصناديق الانتخاب. إن الابتزاز الذى يتعرض له الوطن الآن من قبل بعض ثوار الأمس والدخلاء عليهم، والذين يغيرون مواقفهم حسب اتجاه مصالحهم الشخصية، يجب أن يتم إيقافه، إنه ابتزاز بحق يراد به باطل، وليس هذا اتهامًا للنيات، بل تشهد على ذلك تسجيلاتهم المسربة ولحون أقوالهم وسقطات كلامهم، التى لو تم حسابهم عليها لكان الحكم قاسيًا. وإنى أحرض الشعب علانية على أن يقف لهؤلاء، فى ظل عجز أو تواطؤ من بيده التصدى لهم، بل عليه أن يدافع عن اختياراته، ليس بالصدام ولا بالاعتداء، ولكن بالإصرار على التمسك باختياراته وإعلان ذلك بصوت عالٍ لكى يسكت تلك الأصوات العالية التى تظن أنها بجعجعتها الفارغة وشتائمها البذيئة، وتطاولها على الشرفاء، تستطيع أن تفرض رؤيتها المشوشة وخطتها للخراب. أيها المدعون، لن نخضع لابتزازاتكم، ولن نتخلى عن مبادئ ثورتنا وسلميتها وأخلاقياتها، ولن نتخلى عن اختيار الشعب، ذلك الاختيار الذى طنطنتم باحترامه زمنًا، فلما جاء الاختيار على غير ما تهوى أنفسكم استكبرتم، ففريقًا خونتم وفريقًا تسفهون!! والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. [email protected]