الوقت يمر، و التحقيق الدولي في قضية مقتل الحريري يراوح مكانه، و الضغوط على سوريا تتكثّف، و الوساطات و العروض و المطالب من مختلف الجهات تتوالى, و روسيا تتحرك، و سوريا تترقّب، و لبنان يتخبّط، و ميليس استقال، و رحل، و ننتظر خليفته. هذا هو الوضع الحالي, و كما سبق و توقّعنا في مقالنا السابق, فقد استقال ميليس "لأنّه رأى أنّه غير قادر على متابعة التحقيق، و أنّ الأمر يخرج من بين يديه، و أنّ التحقيق انهار، و أصبح مكشوفاً، و يدور في دائرة مفرغة، و أنّ هناك تدخلات خارجية قوية، و أنّه أصبح مجرد أداة يتلاعب بها هذا الطرف أو ذاك". و السؤال المطروح هنا: من هو خليفة ميليس؟ و هل سيقود التقرير إلى بر الأمان و يكشف الحقيقة؟ أم أنّ مصيره سيكون كمصير سلفه، و لن يكون بالإمكان تحقيق أكثر ممّا كان؟ تشير المصادر الإعلامية إلى أن مسألة خلافة ميليس في تحقيقه طُرحت على المحامي العام في محكمة التمييز البلجيكي (داميان فاندرميرش)، الذي كان مكلفاً بالتحقيق في الإبادة الرواندية، لكنّ هذا الأخير رفض تولي هذا المنصب لأسباب لم يتسنّ لنا الاطّلاع عليها. و بهذا الرفض يكون البلجيكي (داميان فاندرميرش) قد فتح الباب واسعاً أمام مواطنه (سيرج براميرتس) الوارد اسمه على لائحة المرشّحين المحتملين التي وضعتها الأمانة العامّة للأمم المتحدة سابقاً لخلافة ميليس. يُعدّ البلجيكي (سيرج براميرتس) الأوفر حظّا في تولي رئاسة لجنة التحقيق الدولية في قضية مقتل الحريري، و بات في حكم المؤكّد إسناد هذا المنصب له. وُلد (براميرتس) في بلجيكا في مدينة "أوبن" تحديداً في 17 شباط 1962, من أسرة متواضعة ، ونال (سيرج) شهادات عليا في القانون و أخرى في علم الجريمة من بلجيكا قبل أن ينتقل إلى ألمانيا حيث نال فيها شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة "ألبرت", و أطروحته كانت حول موضوع "تعاون الشرطة عبر الحدود". في المجال المهني, تسلسل سيرج في عدد من المراتب و الوظائف بعد أن بدأ مسيرته المهنية محامياً عام 1985, ثمّ ما لبث أن أهّله اختصاصه و تخصّصه في مجال التحقيق والتعاون القضائي الدولي -لا سيما في مجالات الإرهاب وتهريب الأسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان والجريمة المنظمة- بالترقي لاستلام منصب المدعي الفدرالي لبلجيكا في العام 2002. بعد ذلك تلقى في الفترة الممتدة بين عامي 2002 و 2003 حوالي (500) طلب مساعدة قضائية من (44) دولة, و تولى (براميرتس) في نفس المدّة العديد من المهمات الخارجية و المناصب، منها منصب قاضي الارتباط الأساسي في المؤسسات الدولية (المحكمة الدولية الجنائية، المحاكم الدولية الجنائية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا خاصة فيما يتعلق باعتقال وتحديد أماكن المشتبه بهم والشبكة الأوروبية القضائية)، ومساعداً في منظمة القضاء والمسائل الدولية حول الأمور الجنائية، ومتحدثاً باسم مكتب الادعاء الفدرالي. في العام 2003, تمّ تعيينه مساعداً للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، حيث شارك في تحقيقات حول جرائم الحرب في جمهورية الكونغو الديموقراطية والسودان وأوغندا. بالإضافة إلى ذلك يوصف (سيرج) بأنّه يتمتع بخبرة كبيرة في المجلس الأوروبي في إطار التدريب على البرامج المتصلة بمكافحة الفساد والجريمة المنظمة، وقد تولى مهمات في ألبانيا وسلوفاكيا وبلغاريا. وهو خبير في المنظمة الدولية للمهاجرين، وقد تولى مهمات في ليتوانيا وأوروبا الوسطى. شارك (براميرتس) في العديد من المؤتمرات حول الجرائم المنظمة وآليات التعاون الدولي، كما أن له كتباً عديدة حول الهجرة والفساد والجريمة المنظمة. لكن الجزء الأغرب و الأطرف في سيرة هذا المحقّق هو أنّه عمل أثناء ممارسة مهنته كمحامٍ في مهنة إضافية، و هي تعليم الرقص!! فقد عمل كأستاذ لتعليم الرقص في حفلات (الروك آند رول)!! و شارك أيضاً في حفلات و مسابقات في سنّ مبكرة في هذا المجال. كما أسس هذا المحقق في فترة سابقة نادياً لتدريب الكاراتيه بدعم من أصدقائه، ثمّ ما لبث أن تخلى عنه لضغوط العمل. فيما يخص التحقيق, لا شكّ أنّه سيواجه صعوبات و تعقيدات جمّة, و الأهم من ذلك هو مدى قدرته على امتصاص الضغوط التي ستنهال عليه لاسيما من الولايات المتّحدة الأمريكية لتطويع مهمّته في خدمة أهدافها. الموقف صعب جداً و المهمّة ليست سهلة أبداً ، خاصة وأنّ المدّة الزمنية ليست كبيرة، و لا كافية إذا افترضنا أنّه سينطلق من جديد وسيسلك طريقا آخر غير تلك الطريق التي سلكها ميليس, فمهلة ستّة أشهر من الآن ليست كافية أبداً. أما إذا اختار البلجيكي إكمال نفس الطريق الذي سلكه ميليس فإنّه سيواجه عقبات جمّة و مصاعب لا تُحصى، و الأدهى من ذلك أنّ توصّله للحقيقة بنفس أسلوب ميليس قد يكون مسألة مستعصية. لكنّ العمل نفسه سيثبت إذا كان بحجم المسؤولية, و نأمل ألاّ يحوّل هذا البلجيكي التقرير و التحقيق إلى مسرح يرقص من خلاله اللاعبون الدوليون على أوتار موسيقى (الروك آند رول) في لبنان، و تهتز لأصدائها سوريا، و يلتهب بعدها حماس الجماهير الغاضبة في كل مكان. فهل سنرى الحقيقة عبر هذا البلجيكي؟ المهلة تبدأ من الآن، و قد لا تنتهي بعد ستّة أشهر, لكّن التقرير القادم لا بدّ وأن يفصح عن قدرات الرجل و مهنيته، و هذا ما سننتظره. المصدر : الاسلام اليوم