جثث تتساقط كما الطير، وأشباح الموت تحلق فوق الرؤوس، ملابس ملطخة بالدماء، وتشبعت ذاكرتهم بمشاهد الترويع والقتل. "أنا قدامكم أهو لو لقيتوا فلوس خدوها، قالوا لنا هناك ممر آمن اذهبوا إليه... واكتشفنا أنه فخ.. 5ساعات من انتظار الموت داخل عمارة المنايفة"، هكذا قال "ي . ا "- الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه مازال موجودًا بمصر – في روايته على فض اعتصام "رابعة العدوية" لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي. واسترجع بذاكراته شريط الأحداث، قائلاً إنه كان معتصمًا في شارع الطيران، و فجر السبت الأربعاء 14أغسطس عام 2013، وبعد صلاة الفجر بنحو ثلث ساعة سمع صوتا ينادي عليه، بأن الداخلية تحاول الاقتحام، "إذ كان معتادًا أن القوات تأتي كل يوم وتقوم بضرب بعض قنابل الغاز وتغادر كالعادة لأنها كانت تفتعل المناوشات ثم تغادر". وأشار إلى أنه بعد مرور دقائق وجد قوات وأعداد ضخمة من الشرطة تؤمنها قوات الجيش، ويخرج من وسطها صوت يقول: "إحنا معانا أمر فض من النائب العام، الناس تتحرك ناحية الممر الآمن باتجاه جامعة الأزهر". لكنه ومن معه لم يثقوا في أن هناك ممرًا آمنًا، إذ كانوا خائفين من قتلهم أو اعتقالهم، وتابع: "القوات شرعت في إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم حيث كان المعتصمون يلتقطونها ويضعونها في المياه، فيما اشتد إطلاق النار مباشرة دون أي رحمة على المتظاهرين، وأطلقت قنبلة غاز أحد الخيام فاصطدمت بأنبوبة الغاز فانفجرت مما أدى إلى اندلاع النار فيها". وأضاف: "أول ما ابتدت النار تولع في الخيام ابتدوا يدخلوا بجرافات يشيلوا الخيام، دخلوا علينا وكل الناس بدأت تتراجع لغاية عمارة شهيرة باسم "عمارة المنايفة". واستطرد "الجرحى والمصابون كان يتم نقلهم إلى المستشفي الميداني بجوار رابعة قائلاً: "وفضلنا نتراجع لغاية ما وصلنا لعمارة مشهورة بعمارة المنايفة، وبدأ الناس يبنون متاريس بالطوب والحجارة للتحصن داخل العمارة، وكانت القوات تتقدم وكلما تقدمت كانت تحرق كل ماهو موجود أمامها، وتم حرق الكتب والمصاحف". وأردف: "بدأ اليقين بأننا على موعد مع الموت أو على أقل تقدير الاعتقال، وكان معنا أربعة قالوا من بينهم أحد أبناء قيادات الجماعة الإسلامية"، وقال اثنان من هؤلاء الأربعة:" هنتحرك ونروح المخرج الآمن موش مستعدين نموت, وبالفعل راحوا الممر الآمن ولكن المفاجأة رجع منهم اتنين بس, ولما سألتهم على الاتنين التانيين قالوا انهم ماتوا وواحد منهم خد رصاصة في دماغه ومات". وأضاف: "كل اللي عرفناه أنه مفيش حاجه اسمها مخرج آمن وإن دا فخ ، فلجأنا للعمارة اللي بنينا قدامها المتاريس، وكانت مبنية جديد، عشان كدا كان فيها طوب جديد وكسر زلط، وبدأت الناس تحدف على قوات الداخلية، فقاموا بحصار العمارة من 9 الصبح حتى الثالثة عصرًا". وأشار إلى أنه "كان في الدور الثاني من العمارة الساعة الثالثة بالظبط وبدأوا يطلقون عليهم الأعيرة النارية من كل اتجاه، وفجأة ظهرت طائرة "هليكوبتر" عند مستوى منخفض للغاية إلى أن وصلت للطابق الخامس، وصعدت القوات وأخذت تطلق الرصاص من مبنى الشؤون المعنوية وكانوا كل ما اشتد عليهم الضرب كانوا ينبطحون أرضًا". وواصل قائلاً: "كان الناس قد ركضوا خوفا من إطلاق النار والحصار وبدأوا يخرجون من العمارة ومن شدة الفزع بدأ بعضهم بإلقاء نفسه منها خوفا من القنص". وأضاف: "كان في جانبي شباك مفتوح وفيه ثقالات نازلة لغاية تحت في الأرض نزلت، وابتدت الناس تنزل ورايا لغاية ماوصل عددنا تحت قرابة 20 شخصا فجأة الرصاص انهال علينا من كل مكان، فركض الجميع والتفت خلفي فوجدت الناس يتساقطون كما الطير مطروحين على الأرض، ووابل الطلقات مازال مستمرا". وقال شاهد العيان: "ابتدينا نجري وسط العماير والقنص شغال علينا والجثث بتتساقط كتساقط المطر، والضرب ابتدا يهدا حتى سكت نهائيا ، وابتدينا نتجه ناحية كلية البنات واحنا ف الطريق رأيت مصور صحفي يحاول تصوير أحد القناصة الواقف فوق مبني إدارة المرور إلا أنه تلقي رصاصة في ذراعه أدت إلي بتره ، ولم أعلم من هو وما اسمه وهل مات أم لا ؟". وتابع: "ركضت وواصلت الركض حتى وجدنا أنفسنا في طريقنا إلى كلية البنات للخروج تجاه مسجد "يوسف مال الله" أمام جامعة الأزهر، إلا أننا فوجئنا بقوات الشرطة وقد نصبت كمينا يقومون فيه بتقييد المعتقلين من الأيدي والأرجل كالأسرى، ويلقون بهم في عربات البوكس والترحيلات". وأردف: "ارتددنا على أعقابنا فوجدنا مئات الأشخص يركضون نحونا فتوقفنا عن الجري للوراء مرة أخرى لنعود من حيث أتينا وكان هناك خيار آخر وهو أن ندخل الميدان لنواجه الموت، إلا إننا فضلنا أن نقف معهم في مكاننا وكان بجانبنا أحد الأكشاك الذي سرعان ما انهار نتيجة من شدة الطلق الناري عليه حيث أن وابل من الطلقات أصابته من قبل القناصة ". واستدرك: "بدأ الجميع يركض في كل اتجاه فإطلاق النار عشوائي والكل يهرب ويسعى لوجود منفذ ينقذ به حياته التي أصبحت على المحك، إلا أن قوات الشرطة أجهزت علينا وبدأت تعتقل الناس وتأخذ منهم أموالهم وكل متعلقاتهم الشخصية، وتأخذ من تريد أخذه وتطلق من تشاء ". ومضى شاهد العيان قائلاً: "اقترب دوري وبدأ أحد العساكر يقترب مني وفتشني وأخذ مني كل أوراقي والهاتف المحمول ، والمال الذي كان بحوذتي ، إلا أنني استطعت مراوغته والفرار منه وسط الزحام وبدأت الركض ناحية مسجد "نوري خطاب" وقد أنهكت جسدي دماء القتلى". وتابع: "وأنا في الطريق إلى شقتي بالحي السادس مدينة نصر ، كنت أحسب أنني سأرى الناس تسير يمينا ويسارا ، ولكنني لم أجد أحد ولم أكن أعلم أن هناك حظر تجول، واصلت السير إلى الشقة إلى أنني رأيت بعض البلطجية الذين ينتشرون في جماعات متفرقة من الشوارع، يقتربون نحوي فما جذبهم سوي قميصي المتشبع بالدماء والذي تحول لونه إلى الحمرة ، اقتربوا مني وأنا أسير كما السكران، وقال لي أحدهم: "معاك فلوس؟؟ فأجبته: "أنا قدامكم أهو واللي تلاقوه خدوه". وقال إنهم فتشوه فلم يجدوا شيئا معه فتركوه، فاستجمع قواه وواصل المسير تجاه شقته التي يسكن بها بالشراكة مع زملائه فوجد أن الشقة قد امتلأت عن آخرها وبدأ يجمع كل من لايجد سكنًا لينام الليلة معه حتى امتلأت الشقة عن آخرها. وأضاف أنه انتابته هو ومن معه حاله من الرعب بسبب مالك السكن تخوفًا من أن يقوم بإبلاغ الشرطة عنهم، إلا أن مشيئة الرحمن أرادت أن لا يفعل معهم ذلك . وأشار إلى أنه في الصباح اتصل على أحد أصدقائه فجاءه وأحضر معه مالاً وملابس له فارتدى ملابسه وغادر في الصباح متجها إلى مسقط رأسه، بعد أن رأى أشباح الموت تحلق فوق رأسه، وأمطار رصاص القناصة شاء الله أن يخطأ طريق جثته ، في مشهد لا يغيب عن ذاكرته حتى اليوم.