عصام العربى: الجيش حول أبراج دباباته تجاه القصر الجمهورى بعد أن كانت موجهة ناحيتنا وقام بإلقاء الحلوى علينا عمرو حامد: كنا ننتظر خطاب التنحى لكن لم نصدقه لأن الصورة لم تكن واضحة المعالم حمادة الكاشف: يوم تنحى مبارك هو بحق يوم مشهود فى تاريخ مصر ولا يمكن أن ننساه من ذاكرتنا شريف الروبى: ذهبنا إلى القصر الجمهورى وفى أذهاننا إما النصر على الطغاة وإما الشهادة على أعتابه المكان: ميدان التحرير بوسط القاهرة الذى أصبح من أشهر ميادين العالم بسبب هذا الحدث الزمان: فجر يوم الجمعة الموافق 11 فبراير عام 2011 الحدث: استمرار الاعتصامات فى ميدان التحرير وفى كل ميادين مصر الهدف: إسقاط مبارك ورجال نظامه ومحاكمتهم على كل جرائمهم التى ارتكبوها فى حق مصر والمصريين. كان المشهد مهيبا بحق كأنه يوم الحشر، اجتمع له الناس من كل حدب وصوب، والكل أجمع على خلع من استباح أموال وأعراض ودماء مصر برجالها ونسائها وشبابها وشيوخها وأطفالها على مر ثلاثين عاما مضت. الجميع كان هدفهم واحد .. ولم يكن ثمة شخص واحد عنده استعداد للتراجع أو المهادنة، الكل كان يطالب بإسقاط نظام مبارك مهما كان الثمن، ومها كان حجم التضحيات، حتى ولو كان الثمن هو عدم عودتهم جميعا إلى منازلهم مرة أخرى، واعتبروا أنفسهم شهداء فى سبيل الوطن، وفى مقابل حصول أبنائه على حريتهم، وهى الغاية الأسمى التى خرجوا من أجلها. تعتبرالفترة من بعد صلاة فجر يوم الجمعة الموافق 11 فبراير2011 وحتى إلقاء اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت، بيان تخلى مبارك عن الحكم فى الساعة السادسة من مساء هذا اليوم، بحق من أطول 12 ساعة فى تاريخ مصر، فقد أصيبت كل مرافق مصر بالشلل التام، وحاصر الثوار مبنى ماسبيروا ومنعوا العاملين به من الدخول والخروج، وقرروا الزحف إلى القصر الجمهورى عصر يوم الجمعة إذا لم يتنح مبارك عن الحكم، وتعالت هتافاتهم المدوية: بينا على القصر بعد صلاة العصر .. ع القصر رايحيين شهداء بالملايين. فى ذاك اليوم التاريخى شارك عدد غير مسبوق فى صلاة الجمعة، وكانت ثالث جمعة تقام منذ اندلاع الثورة، ووصف خطيب الجمعة فى ميدان التحرير المعتصمين فيه ب "مرافعين أقوياء عن الحرية" ودعاهم إلى أن يثبتوا فى مواقعهم . ووجه الخطيب رسالة إلى الجيش المصرى ودعاه إلى الثبات وتقوى الله تعالى، وألا يخاف من أحد وأن يكون مع الشعب، وعقب الصلاة انطلقت مسيرات حاشدة بالآلاف إلى قصر العروبة الذى كان محاطا بمدرعات تابعة للحرس الجمهورى والأسلاك الشائكة ذات الكثافة العالية. وعن ذكريات هذا اليوم، يقول عصام العربى، أحد معتصمى ميدان التحرير: كنت متواجدا فى الميدان منذ بداية الاعتصامات يوم 25 يناير، انتظر كغيرى من ملايين المصريين فى بداية الاعتصامات تنحى مبارك عن السلطة، ولكنه تشبث بها إلى آخر رمق فيه، وانتظرت أن يلقى خطاب التنحى يوم الخميس الموافق 10 فبراير، ولكنه ظهر حوالى الحادية عشرة مساء فى خطابه المتلفز ليقول إنه سوف يفعل كذا وكذا، فخيب آمال الجميع، مؤكدا أنه كغيره من الملايين كان يتمنى أن يذهب إلى القصر الجمهورى لإسقاط مبارك حتى حانت له الفرصة وذهب مع مئات الآلاف غيره إلى القصر بعد أن بات ليلته فى ميدان التحرير فى انتظار اللحظة الحاسمة. وأضاف العربى، أن كل من كان فى ميدان التحرير يتأهب إلى الذهاب إلى القصر الجمهورى، وبدأت بالفعل أعداد غفيرة تتجه صوب القصر بعد صلاة الجمعة، وكانت الخطبة التى ألقاها الخطيب فى الميدان قد ألهبت حماسنا جميعا، مؤكدا أننا لم نكن نقصد القصر كمبنى قائم بعد أن ترددت أنباء عن ترك مبارك القصر وسفره إلى شرم الشيخ ولكن المعنى المقصود هو رمز السلطة وعنوانها المتمثل فى القصر لأنه المقر الرئاسى. وعن الهتافات التى كان يرددها المتظاهرون وهم فى طريقهم إلى القصر الجمهورى قال العربى كنا نردد "على القصر رايحيين شهداء بالملايين"، و"الشعب يريد إسقاط النظام"، و"يسقط يسقط حسنى مبارك" ونحن فى طريقنا إلى القصر كانت كل الطرق المؤدية إليه مغلقة بحواجز حديدية وأسلاكا شائكة، ومع ذلك تقدمنا إلى أن وصلنا إلى أقرب مكان من القصر وكان أمامنا مباشرة قوات الحرس الجمهورى من الدبابات والمصفحات وتأتى من بعدها مدرعات الجيش والفاصل بيننا وبينهم أسلاك شائكة. وفى لحظة من الصعب وصفها لروعتها كما يقول العربى، اتخذ الجيش قرارا بأن يكون مع الثوار، وأدار أبراج دباباته ومدافعه ناحية القصر، بعد أن كانت موجهة ناحية المواطنين العزل، وقام الجيش بعد ذلك بإلقاء الحلوى علينا، وصفقنا جميعا للجيش على موقفه الذى اتخذه بالانضمام إلى الشعب فى مطالبه المشروعة، وعندما أردنا التقدم إلى الأمام وتخطى الحواجز التى أمامنا طالبنا أحد ضباط الجيش بالانتظار قليلا قبل فعل أى شيء، لأن هناك بيانا مهما سيخرج من رئاسة الجمهورية بعد صلاة المغرب ثم بعد ذلك افعلوا ما تريدون. وفى نبرة مفعمة بالفرح والسرور قال العربى: ثم جاءت اللحظة الحاسمة التى انتظرناها طويلا، ففى تمام الساعة السادسة من مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011، ظهر عمر سليمان نائب مبارك، وألقى بيانه التاريخى الذى لم يستغرق دقيقة واحدة وأعلن تخلى مبارك عن الحكم، بعدها هللنا وكبرنا جميعا، ورددنا فى صوت واحد "الله أكبر .. الله أكبر"، وعندما أردنا العودة إلى ميدان التحرير لكى نحتفل بتنحى مبارك مع المعتصمين فيه قابلنى الشيخ صفوت حجازى وقال لى إن هذه شائعة أراد النظام ترويجها لكى نترك أماكننا ونرحل من أمام القصر . وأكد لى أنه لن يترك مكانه حتى يتأكد من هذا الأمر فأقسمت له بالله بأننى رأيت بيان التنحى يلقيه عمر سليمان بعينى فى جهاز محمول أحد الأصدقاء الذى يمكن أن ترى فيه قنوات التليفزيون، فحلفنى بالله مرة أخرى بأنى رأيت خطاب التنحى بعينى فأقسمت له بالله مرة أخرى بأنى رأيت الخطاب بعينى وعندها أخذنا الشيخ وعدنا إلى ميدان التحرير مرة أخرى للاحتفال بالنصر الذى منا الله به علينا وتنحى الفرعون وتهاوى ملكه. ومن جانبه قال عمرو حامد أحد المعتصمين فى ميدان التحرير إنه أصيب بالإحباط وخيبة الأمل من خطاب مبارك الذى ألقاه يوم الخميس بأنه باق فى السلطة وسوف يقوم بعمل إصلاحات سياسية واقتصادية . ويكمل حامد كلامه قائلا: قضيت ليلتى كغيرى من الملايين فى انتظار الفرج، وكنا واثقين فى الله بأن النصر آت لا محالة والأجواء وقتها كانت لا توصف، فكان المصريون فى كل مكان متحدين فى سبيل تحقيق هدف واحد، وهو القضاء على نظام فرعون، فقبل يوم الجمعة التى ألقى فيها عمر سليمان خطاب تخلى مبارك عن الحكم كان هناك حصار من جانب المتظاهرين للتليفزيون، وكذلك كان هناك اعتصام مفتوح أمام مجلس الوزراء، وأيضا أمام مجلس الشعب، والميدان ممتلئ على آخره، وكانت هناك ترتيبات للزحف نحو القصر الجمهورى، ووسط كل ذلك كنا ننتظر خطاب التنحى بين اللحظة والأخري. وكانت المفاجأة كما يؤكد حامد، هى ظهور عمر سليمان ليلقى خطاب تخلى مبارك عن الحكم، فالمفاجأة هى أننا كنا ننتظر تخلى مبارك أو تنحيه عن الحكم لكن لم نكن نصدقه، لأن الصورة لم تكن واضحة المعالم، فكانت السماء مازالت ملبدة بالغيوم، فبعد أن أدينا صلاة الجمعة فى الميدان وبدأنا نتحرك بعد الصلاة نحو القصر الجمهورى للقضاء على رأس النظام. وأوضح حامد، بأننا سمعنا خطاب التنحى عبر الراديو. وبعد انتهاء سليمان من إلقاء البيان أعلنت الصيحات بالتكبير والتهليل، وغمرت الفرحة آلاف الموجودين أمام القصر بجانب الملايين فى جميع أنحاء مصر، وغمرتنا الدموع فرحا وابتهاجا، وتبادلنا التهانى والاحضان والقبلات بهذا الانجاز العظيم، فهو بحق يوم مشهود فى تاريخ مصر لا يمكن أن ننساه من ذاكرتنا . ويقول حمادة الكاشف، أحد المعتصمين فى ميدان التحرير: خلال أيام ثورة يناير، كنت متواجدا فى ميدان التحرير، بل كنت مقيما فيه، وكنت المسئول عن الإذاعة العامة داخل الميدان التى تذيع كل الأخبار، وتعريف المتواجدين داخل الميدان بكل ما يجرى خارجه من أحداث، لأن الميدان كان يعتبر منطقة معزولة عن المحيط الخارجى بسبب التشويش المتعمد من جانب نظام مبارك على الاتصالات وقطع خدمات الانترنت . وأكد الكاشف، أن خطاب مبارك يوم الخميس أصابنى بخيبة أمل كبيرة وصدمة، بسبب إصرار مبارك على البقاء فى منصبه فكانت الاستعدادات تجرى على قدم وساق لمحاصرة القصر الجمهورى، ودخلنا فى سباق مع الزمن بعد هذا الخطاب فى إعداد العدة للتوجه بعد عصر غدا الجمعة الموافق 11 فبراير 2011 إلى القصر الجمهورى، وبدأت الحشود تتوافد من كل شبر من أرض مصر للانضمام إلى المعتصمين فى الميدان صباح يوم الجمعة وبعدها يتوجهون نحو القصر الجمهورى، وردد الملايين فى الميدان هتافات "يالا بينا على القصر بعد صلاة العصر"، و "ع القصر رايحين شهداء بالملايين"، وبعد صلاة الجمعة بدأت الجموع الحاشدة فى التوجه ناحية القصر الجمهورى كالشلال المتدفق، وفى لحظة فارقة فى تاريخ مصر بعد صلاة المغرب كنت متواجدا فى الميدان نتابع الأخبار أولا بأول فى الراديو، وهنا صمت الميدان كله لمتابعة ما سيسفر عنه بيان عمر سليمان وكله فى ترقب وانتظار وقلق وخوف، إلى أن جاءت البشرى التى أثلجت صدورنا جميعا بتخلى مبارك عن منصبه وتفويض المجلس العسكرى بادارة شئون البلاد، فعمت الفرحة الميدان وكل مصر، وتبدل الخوف فرحا بعد أن كنا نتوجس خيفة من استخدام الجيش لضربنا. ومن جانبه قال شريف الروبى، كنت مع الملايين فى ميدان التحرير مطالبين بإسقاط نظام مبارك الذى افسد مصر ونهب خيراتها وثرواتها، فكنا متأكدين أن خطاب التنحى آت لا محالة، لكن لم نكن نعلم توقيته تحديدا، فبعد أن سمعنا خطاب الخميس وإصراره على البقاء فى منصبه وعدم تركه للسلطة أصابنا احباط كبير، ولكن لم نيأس من مواصلة المشوار، وبالفعل اتخذنا القرار بالذهاب إلى القصر بعد صلاة العصر، حتى يكون هذا هو أخر المشوار، إما النصر على الفرعون أو أعوانه من الطغاة والمتجبرين أو الشهادة على أعتاب القصر. وأضاف، أن الفرصة ملأت قلوبنا جميعا، ولم نكن نصدق ما جاء فى البيان الذى ألقاه عمر سليمان رغم توقعنا له، وانطلقنا نهنئ بعضنا البعض بالانجاز التاريخى الذى تحقق بعد فترة عصيبة مرت بها البلاد وعمت الفرحة مصر كلها بهذا الخبر.