عاد هذه الأيام الحديث عن "الطائفية" مجددًا.. وعندما نقول "الآن".. فعلى الكل أن يتحسس عقله. الحوادث التي وقعت في جنوب مصر، وتوصف ب"الطائفية"، هي الحوادث الأقل من بين قريناتها التي شاهدتها البلاد، منذ سبعينيات القرن الماضي "العشرين".. ولا تستدعي مثل هذا الحشد الإعلامي الذي نراه.. وبلغ ذروته بإشارة رئيس الجمهورية إليه في حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب الكليات العسكرية. من حق أي متابع أن يلعب في صدره ألف فأر!!.. فاليوم غير الأمس: ففي الماضي كانت الحوادث "الطائفية"، توظف في سياق سياسي انتهازي، للقصف المتبادل بين المعارضة العلمانية باتشاحها وشاح "التنوير" وامتطاء ظهر الأقلية القبطية في عدوانها وتصفية حساباتها مع الإسلاميين "الظلاميين" وتحريض الدولة عليهم.. أو بين المعارضة "إجمالًا" وبين السلطة، وتقديم الأخيرة في صورة "الدولة الضعيفة" و"المتواطئة" مع الإسلاميين في الاعتداء على الأقباط. الحوادث الطائفية في عهد مبارك كانت صناعة نخبة "شاطرة" في التقاط أي حادث "جنائي" بين مسلم ومسيحي، وتحيله إلى حادث "طائفي".. ولكل منهم قبلته التي يؤم وجهه شطرها.. وتحولت في مجملها إلى أداة ابتزاز "سياسي" من المعارضة و"طائفي" من بعض المتطرفين الأقباط.. وإلى "سبوبة" تدر ما لذ وطاب على أحزاب يسارية وشخصيات سياسية ونشطاء حقوقيين.. ومن يريد الاطلاع على التفاصيل، فعليه مراجعة كتاب السياسي الشهير الصديق العزيز الأستاذ جمال أسعد عبد الملاك "إني أعترف... كواليس الكنيسة والأحزاب والإخوان المسلمين". ما يثير الريبة مع كل حادث "طائفي" مزعوم.. أنه قبيل الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك، وفي عز أزمته السياسية، فُجرت كنيسة القديسين بسيدي بشر بالإسكندرية وراح ضحيته 23 مواطنًا مصريًا.. قُبيل ثورة يناير بيومين 23 يناير 2011، أعلنت الداخلية رسميًا أن مرتكب الحادث تنظيم "جيش الإسلام" الفلسطيني.. وبعد الثورة، نشرت اليوم السابع يوم 3 مارس 2011، تقريرًا بعنوان: "بالمستندات.. تفاصيل خطة حبيب العادلي لتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية".. وزير الداخلية السابق كلف القيادة 77 لتنفيذ المهمة وإخماد نبرة احتجاج البابا شنودة ضد النظام"!! وبعد أن عرضت "اليوم السابع" ما وصفته بالمستندات عقبت بقولها: "وفي حال صحة هذه الأوراق، فإننا نكون أمام عصابة عملت لأهدافها السياسية الخاصة، وليس لمصلحة مصر وأمنها القومي ووحدتها الوطنية، وإذ نضع هذه الصور الضوئية التي وصلت فإننا نتوقع بيانًا من وزارة الداخلية وقيادتها الجديدة ينفي أو يؤكد صحة هذه المستندات المسربة من مصادر على مقربة من جهاز الأمن في عصر حبيب العادلي، ونتطلع أيضًا إلى أن يتم التحقيق في صحة هذه المعلومات حتى يتكشف أمام الرأي العام حقيقة حادث كنيسة القديسين، والدور الذي لعبه وزير الداخلية – المحبوس حاليًا - في هذه الجريمة النكراء". ما نشرته اليوم السابع آنذاك كان خطيرًا.. وبحسب علمي فإن الداخلية في ذلك الوقت لم ترد، ولا نعرف ما إذا أُجريت تحقيقات بشأن ما نشر.. ولماذا لم يستدعَ رئيس تحريرها لسماع أقواله وتقديم ما بحوزته من "مستندات" مزعومة. ما نشره الزميل خالد صلاح.. ترك انطباعًا بأن الكل "بيلعب" في الملف القبطي.. بما فيه السلطات الأمنية.. ما صنع رأيًا عامًا لا يثق فيما يصدر من الدولة، ومن حاضنتها الإعلامية، والثقافية، والسياسية، والأمنية، من معلومات وبيانات بشأن ما تسمى ب"الطائفية". أزمة ثقة.. وحلها لن ينفع معه "الإعلام التعبوي" الموجه.. وإنما بالمكاشفة وبالشفافية مهما كانت مؤلمة أو قاسية.. وفي هذا الموضوع بالذات كلام كثير يمكن أن يقال.. وربما أستهل به مقالات لاحقة إن شاء الله. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.