رأى المفكر الإسلامي ناجح إبراهيم أن الانقلاب في تركيا، كاد أن ينجح لولا مهارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التعامل مع الموقف والنجاة من محاولة اعتقاله، ومحاصرة في قصر الرئاسة أو قتلة بالإضافة إلي الشعب التركي الذي الذى أنقذ الديمقراطية والمجتمع المدني من الانهيار. وشرح المفكر الإسلامي في مقاله له على صحيفة "الوطن " بعنوان إجهاض الانقلاب التركى.. ماذا بعد؟! طبيعة الخطة المحكمة التي وضعت للانقلاب في تركيا و كيف نجى أردوغان منها ولم يضيع الوقت مطالبًا الرئيس التركي بمجوعة من الأمور الهامة بعد فشل الانقلاب من اجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره. والي نص المقال: نجح أردوغان بكاميرا وتليفون محمول فى إجهاض أخطر انقلاب عسكرى تركى فى القرن الواحد والعشرين. كان الانقلاب العسكرى على الرئيس أردوغان فى غاية الإحكام، حاصروا البرلمان بالدبابات ثم قصفوه، أغلقوا المطارات، حاصروا جميع القنوات الفضائية، سرّحوا المذيعين والعاملين بها، تحركت الطائرات المقاتلة فى سماء أنقرةوإسطنبول، أعلنوا بيان تسليم السلطة. ترددت أمريكا فى موقفها من الانقلاب، كانت كمن تبيع صديقها أردوغان فى لحظة كما باعت شاه إيران من قبل، وكما تخلت عن مبارك. ترددت أوروبا أيضاً، أمسكت العصا من المنتصف «عين فى الجنة وعين فى النار» كما يقول المصريون، تنتظر نتيجة المعركة لتحدد موقفها. حوصر أردوغان خارجياً قبل محاولة الانقلاب، توترت علاقته بروسيا، اضطربت علاقته بإيران، عادت الحرب بينه وبين الأكراد، كانت علاقته سيئة بسوريا والعراق ومصر، علاقته بأمريكا لم تكن جيدة فى الفترة الأخيرة، بدأت أوروبا تشك فى نواياها سيطر زعماء الانقلاب على كل شىء، لم يبقَ سوى اعتقال الرئيس لنجاح الانقلاب. لم يكن مع الرئيس أردوغان أحد، كاد أن يحاصَر فى قصر الرئاسة، لو حوصر أو اعتقل فى قصر الرئاسة لانتهى الأمر، فطن أردوغان سريعاً إلى أن كماشة الانقلاب تكاد أن تطبق على عنقه لو بقى فى قصر الرئاسة. غادره سريعاً إلى موطن أنصاره، ذهب إلى إسطنبول حيث توجد شعبية طاغية له، فقد كان يوماً عمدتها، وكانت هى بدايته نحو الصعود إلى سدة السلطة والرئاسة فى تركيا. هبط فى مطار إسطنبول، لم يضيع وقتاً، لم يكن يملك أردوغان وقتها أى شىء سوى تليفون محمول وقناة فضائية واحدة. هكذا حوصر أردوغان خارجياً وداخلياً، ولكنه رجل حديدى، رغم سنوات عمره الطويلة إلا أنه صلب المراس، حاول أن يفك الحصار الخارجى عن نفسه وبلده، فوجئ بالانقلاب يحاصره ويحاول إزاحته من السلطة. لم يفُتّ فى عضده أنه لا يملك سوى تليفون محمول وقناة فضائية فى إسطنبول، لم يضيع وقتاً، خاطب شعبه ومؤيديه، أمرهم بالنزول للشارع والتصدى للانقلاب، واجه الشعب الدبابة بصدر أعزل، فوجئ الجنود فى الدبابات بهذه الحشود، كان هناك رقى من الجنود ومن الناس أيضاً. تواصل أردوغان مع رئيس وزرائه، ومع المؤسسات التى تدعمه حيث وجد الشرطة والمخابرات والبرلمان تدعمه. طهّر إسطنبول من مظاهر الانقلاب أولاً، معظم الجيش التركى كان معه، تحدث نائب رئيس الأركان عن فشل الانقلاب وانتصاره، بعد أن غابت شمس الانقلاب بدأت التصريحات الأمريكية تتغير جذرياً. هكذا أمريكا كانت تستعد للتخلى عن أردوغان حال هزيمته، عندما انتصر ظهر «كيرى» ليعلن سعادة أمريكا بعودة المؤسسات الديمقراطية. تحدثت أوروبا بعد طول صمت، لجأ بعض ضباط الانقلاب إلى اليونان (الخصم التقليدى لتركيا)، طلبوا اللجوء السياسى إليها. اتهم أردوغان سريعاً -دون تحقيق كافٍ-الداعية عبدالله كولن بتدبير الانقلاب من أمريكا، كولن كان أستاذاً وداعماً لأردوغان فى بداياته، وهو الأب الروحى لكل الدعاة الإسلاميين فى تركيا الذين تخرجوا فى مدارسه ونهلوا من علمها. لا أدرى كيف تمزق السياسة الروابط بين الأحبة، بل كيف تمزق العلاقات الإنسانية والدينية بين الناس، مشروع كولن لا يتعارض مع مشروع أردوغان، لا أدرى ما سر العداوة بينهما الآن. المأمون قتل شقيقه الأمين من أجل السلطة، عبدالحكيم عامر انتحر أو نُحر على يد صديق عمره عبدالناصر، محمد نجيب ذاق الذل والهوان على يد الضباط الأحرار الذين لم يحفظوا جميله وتضحياته بنفسه أيام الثورة الأولى. السياسة وصراعاتها لا تعرف الأخوّة ولا الصداقة ولا القرابة، الشعب التركى أظهر قوة كبيرة، أظهر أنه مع الديمقراطية والمدنية. الجيش التركى اختلف تماماً عن أيام أتاتورك، ترك سياسة الانقلابات التى كلفت تركيا الكثير من قبل، مطلوب من أردوغان بعد نجاحه الهدوء وعدم العصبية وترك التهديدات الجوفاء، وليحذر سياسة الانتقام وأخذ الناس بالشبهات، أو توسيع دوائر العقوبات أو الإساءة إلى جيشه، أو عزل قضاة أو ضباط دون الاستناد إلى الإجراءات القانونية الطبيعية. عصبية أردوغان الزائدة وتوزيعه الاتهامات شرقاً وغرباً قبل التحقيقات واتهامه السريع ل«كولن» وأعوانه قد تضره ولا تنفعه، القبض على القضاة دون تحقيق كامل عيب وعار على الديمقراطية، توسيع العقوبات والقبض خطأ، ذلك كله يسىء لأردوغان. مشكلة كل الأقوياء أنهم ينسون العفو والصفح وقت قوتهم، يتذكرون فقط البطش والقوة وتوسيع دوائر الاشتباه والقبض، يطلقون أيدى أعوانهم فى القبض، ينسون أن العفو والصفح والإحسان والعدل هى زكاة القوة والقدرة على الآخرين. أثبت الشعب التركى أنه صاحب الحق الأصيل فى تنصيب الحكام أو سحب الثقة منهم، الشعب التركى هو الذى أنقذ الديمقراطية والمجتمع المدنى من الانهيار. هناك درس مهم فى إجهاض الانقلاب مفاده أنه «ينبغى أن تكون الدولة قوية والمجتمع قوياً»، لا يكفى أن تكون مؤسسات الدولة قوية وفتية والمجتمع منهاراً وممزقاً، ولا يكفى أن يكون المجتمع قوياً وفعالاً ومؤسسات الدولة منهارة، كلاهما يكمل الآخر ويسدده ويصوبه ويعاونه. لقد انتصر أردوغان ظاهرياً وسياسياً، لكن تركيا ضعفت، وقد لا تعود قوية كما كانت، فتصفية القضاة وعزلهم والقبض عليهم وعزل الكثير من الضباط، ومحاولة إقصاء 7% من الشعب التركى هم القوة التصويتية لأتباع عبدالله كولن لن يجعل تركيا قوية كما يظن، قوة الدولة فى اجتماع شملها دون إقصاء الخصوم بقسوة. رغم إجهاض الانقلاب فإن تركيا قد لا تعود قوية كما كانت، لن يعود الجيش قوياً ومتماسكاً ومتآلفاً كما كان، فقد وقع شرخ كبير داخل الجيش نفسه، مع شرخ آخر بين الجيش والشرطة التركية، وشرخ آخر بين أكبر فصيلين إسلاميين فى تركيا «العدالة والتنمية، ومدارس وتلاميذ عبدالله كولن». وعلى أردوغان وحكومته أن يستحضروا الآن فقه المصالحة الوطنية والرحمة والعفو وعدم توسيع الشقاق مع أحد أو دائرة الاشتباه أو أخذ الناس بالظن، أن يستحضروا تجربة مانديلا بينهم وبين تلاميذ عبدالله كولن.