بأى حال نستقبل عاما ونودع عاما؟ إن التاجر الأريب الحصيف إذا ما حال عليه الحول أسرع فى حساب أرباحه وخسائره وقدم كشفا ليحصى على نفسه ما جمع وماربح وماخسر وما له من دين وماعليه من ديون حتى يضع الأمور فى نصابها فإن كان رابحا ازداد فى تجارته وإن كان خاسرا عدل من سياسته، هذا هو ميزان العقل وتمام الفكر، لكننا على عادتنا نستقبل عاما بالتهليل والأفراح والليالى الملاح وربما أمضينا الليل ساهرين لنكون على بدايته شاهدين، وعجبى ليس لموقفنا من عام مقبل ولكن شديد عجبى أننا نحتفل بعام نقص فى عمرنا وقل فيه عملنا، كان بن مسعود رضى الله عنه الحصيف الأريب يقول " ماندمت على شئ ندمى على يوم نقص فيه عمرى ولم يزدد فيه عملى"، نعم يوم نقص وعمل قل، كان الأحرى بنا والأجدر أن نقف لنحاسب انفسنا ، لنحصى حصاد عام مضى، بما فيه من أحداث جسام وقعت لنا أو فى محيطنا ونترقيب بشئ من الحذر والحنكة ماهو اّت حتى نعى الدرس ونتعلم مما مر علينا فى كل شئون حياتنا... وحسبى من حصاد العام أن أعلم كم أناس كانوا بيننا ملئ السمع والبصر غيبهم عنا الموت وواراهم الثرى أين هم الاّن؟لقد كانوا يوما مثلنا، يحتفلون بقدوم عام ويعيشون حياتهم كأجمل مايعيش إنسان، اين هم الاّن؟أين أحلامهم وطموحاتهم؟ أين ذهبت وولت؟لماذا لاتنتعظ؟ كم من عزيز ودعنا؟ كم من صحيح اعتل؟كم من أحداث كنا عليها شهودا ربما لم نقدم فيها ولم نؤخر، لكنها مضت لتشهد على خورنا وضعف همتنا وإرادتنا، لطخت ثيابنا وأفنت معها أحلامنا لأنه لم يعد فيما مضى دخل، فلا نحن منه على وجل، لقد سجل وأحصى فلا مفر ولامناص.... وددت لو غيرنا مفهومنا فى احتفالنا بكل عام جديد، لماذا لانقف مع أنفسنا وقفة محاسبة، نرصد الخلل ونصلح المعوج ونبدد الخوف ونقيل العثرة.. وددت لو أعلنا بداية العام ، بداية حقيقية لحياة جديدة وميلاد جديد، للتطوير والتعديل ... لماذا لانكون فى ذكاء التجار ورجال الأعمال ونزن أمورنا بمثل ميزانهم؟ ماذا قدمنا؟ ماذا ربحنا؟ ماذا خسرنا؟ مالذى فاتنا؟ مالذى كان يجب علينا أن نفعله ولم نفعله؟ هل يمكننا أن نتداركه ثانية؟ هذا على المستوى الشخصى والحديث على المستوى العام يكون أكثر وقعا لأن الأمر هنا يعنى ويخص كل من حولنا، فالفرد بطبيعته إجتماعى ولايمكن أن يحيا بمعزل عن غيره وإلا لانتفت عنه صفة الإنسانية والمنعزل عن مجتمعه هو شخص لاشك قد اعتراه المرض وأصابه لأنه لايدرك حقيقته كإنسان خلق ليعمر الكون ويتواصل مع الاّخرين وإن لحق به الضرر فذلك خير له من أن يعتزلهم، فصبره على الأذى أولى وأنجع من عزلته، وكذلك الدول لايمكن أن تعيش منعزلة عن غيرها.. هل وقفنا لرصد حساباتنا كأفراد، وكمسؤلين عن مجتمع بأسره وكحكام مسؤلين عن رعايانا؟ أين الشفافية والصدق فى التعامل مع النفس ومع الغير؟ هل فكر ولاة الأمر مع مطلع العام الجديد فى اّلاف من المعتقلين حرموا من اسرهم وذويهم وربما بلا ذنب أو جريرة؟ حل قضاياهم ورفع الظلم عنهم أفضل بملايين المرات من ليالى التليفزيون وحفلاته الماجنة، دمعة طفل غيب عنه أبوه كفيلة بأن تعكر صفو مجتمع بأسره، تماما كصرخة إمرأة ثكلى إذا عاش المجتمع على قلب رجل واحد، لافرق بين حكام ومحكومين.... هل دار فى خلدنا ونحن على أعتاب عام حال اّلاف الأسر التى دخل عليها الشتاء القارص وهم يلتحفون السماء ويبيتون على الجوى؟ وقفة على أعتاب عام غير تقليدية قد تغير فينا الكثير وتحول مجرى حياتنا؟ من منا جمع أسرته وأهله وأعد معهم برنامجا لعام جديد وقدم كل راع كشف حساب لأسرته وتعاهد مهم على بداية جديدة فى عام جديد... لى مع العام وقفات أرجو أن يكون ذلك الغيض بداية لها.... د. إيهاب فؤاد