"سنوات من العذاب والآلام فالماضي له رائحة لا تنسى، وطعم مرير لا يحتمله أحد، وذكريات مؤلمة تؤرقنا وتهدد مستقبلنا، أيام طفولتنا وسنوات شبابنا كلها أشياء تلازمنا وتؤثر فينا، وإذا سطرناها تجف الأقلام من كثرة بكائها، وتعجز عن استكمالها، هكذا الحياة كانت وما زالت تأخذ منا ولا تعطينا، تقسو علينا ولا نستطيع أن نتحداها، ليتنا كنا من حلفائها وأحبابها، ليتنا ما وقفنا فى وجهها وانحنينا لها، ما كانت تستطيع أن تسرق منا أجمل لحظات العمر. بهذه الكلمات حكت سيدة تدعى نادية عمرها 40 عامًا، ل"المصريون" من خلف قضبان سجن النساء بالقناطر تندب حظها، تتحسر على قدرها، وتروي تفاصيل جريمتها التي تخلصت فيها من الزوج وتنظر بعينين حائرتين لمن حولها، تبدو على ملامح وجهها الألم والحزن والإرهاق، وخرجت على لسانها كلمات مرتعشة، غير مرتبة، ثم روت بصوت تخنقه الدموع، اسمى نادية، نشأت بين أحضان أسرة متوسطة الحال، الأب يعمل موظفًا بإحدى الهيئات الحكومية، والأم كذلك يخرجان من الصباح ويعودان فى الظهيرة، أتذكر أن حياتهما كانت غير مستقرة، فوالدى كان رجلا بخيلا وكانت والدتى تعانى من ذلك، حتى مشاعره كان يكتنزها ولا يظهرها لنا، كان لا يفكر إلا فى احتياجاته الخاصة، أما أنا ووالدتى كنا فى ذيل اهتماماته، لا يفكر فينا ولا يحاول إرضاءنا، كنت أتمنى أن يكون لى أشقاء، لكن والدتى رفضت تكرار تجربة الإنجاب منه مرة ثانية، لأنها كانت تشعر دائما أن حياتها معه مهددة، وفى بعض الأحيان كانت تقرر الانفصال، لكن سرعان ما تتراجع عن القرار، بسبب وجودى.. باختصار والدتى عاشت معه رغمًا عنها، وتحملت الصعاب من أجلى، وكان كل شغلها الشاغل أن أستكمل دراستى، لكننى كنت على دراية كاملة لما يحدث حولى، وكرهت كل شيء حتى دراستى، ورحت أبحث عن رجل ينتشلنى من هذه الحياة، ويأخذ بيدى بعيدا عن هذه الأسرة التعيسة، ووسط كل هذه الأحلام جمعتنى الصدفة بشاب أحببته من النظرة الأولى، وتمنيت أن يجمعنى به بيت واحد، ويبدو أن الأقدار لعبت دورها، فلم تمر أيام إلا ووجدته يطرق باب منزلنا، وطلب يدى للزواج وكالعادة انقسم المنزل إلى قسمين، والدى وافق بينما رفضت والدتى، وكل منهما له مبرراته، فوالدى كان يريد الخلاص منى، ومن همومى وحملى ومصاريفى، أما والدتى كانت لا تستريح لهذا الشاب، وكانت ترغب فى أن أستكمل دراستى، لكنها رضخت فى النهاية لرغبتى، ومرت عدة أشهر لم تكمل أصابع اليد الواحدة، وانتقلت إلى منزل فارس الأحلام، ودخلت معه عش الزوجية، ومنذ البداية ظهر على حقيقته، وأفصح عن عيوبه، فهو لم يختلف كثيرا عن والدى، عشت معه أسوأ أيام حياتى، كان يتشاجر معى على كل شىء، يسبنى ويضربنى ويتعمد إهانتى أمام الآخرين، والأكثر من ذلك كان لا يلبى أي مطالب لي، تجرد من كل مسئولياته تجاهى، أدركت من البداية جيدا أن مشوار حياتى معه قصير جدًا ولا يحتمل المسافات، فقررت عدم الإنجاب منه، وانتهى بى المطاف لأكتشف أن رأى والدتى كان صائبا فى زوجى، حيث شعرت معه بالإهانات التى لم تنته بعد، وبعدما تعددت خلافاتى معه، أيقنت تمامًا أن حياتى معه لا فائدة منها ولا خير فيها ولن تأتى بجديد لكنها ستزيد من أحزانى وآلامى التى تسببت فى سوء حالتى الصحية وجعلتنى حائرة بين الأطباء النفسيين الذين عجزوا عن تشخيص حالتى أو الوصول معى إلى نتيجة فى العلاج، رحت أندب حظى العثر، الذى أوقعنى فى طريق رجل بلا قلب، بلا مشاعر، بلا نخوة أو شهامة، لست أدري لماذا فعل كل هذا بي، وأجبرني على ارتكاب المعاصي وطلب مني ما حرمه الله، رفضت أكثر من مرة لكنه أجبرني وحينما ذهبت كي أشكو لوالدي نهرني وأجبرني على طاعة زوجي، أكرهني على فعل أشياء مقززة ومفزعة لم تقبلها نفس بشرية سليمة، تحملته في كل مرة وكأنه يقطع من جسدي ويذبحني رويدا رويدا، ويوم الواقعة صدمني بشيء غريب لم أتخيله في حياتي، دخل المنزل وطلب مني أن أمارس الرذيلة مع أحد أصدقائه، ودخل غرفة نومي ليقنعني بذلك رفضت وحينما صمم على ذلك تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب والتهديد رفضت وهددته بالانتحار لكنه لم يكترث وحاول إجباري وضربني وعندما سمع صديقه المشاجرة التي وقعت بيننا أخبره بأنه سيأتي في وقت آخر وانصرف، غادر صاحبه لكن الشيطان لم يغادرني وظل يوسوس في نفسي حتى ظننت أنني إن لو أبقيت عليه دقيقة واحدة على قيد الحياة أرتكب جرمًا في حق نفسي وفي حق البشرية، ذهبت إلى المطبخ واستللت سكينة وذهبت إليه وهو نائم. لم تطاوعني نفسي لكني تذكرت كل شيء ومر أمام عيني شريط أفعاله السوداء فيّ وكم المعاصي التي أجبرني على ارتكابها، وتذكرت الألم والمرارة وتخيلت معاناتي لو بقي على قيد الحياة، أردت الهروب منه إلى أي شيء آخر حتى لو كان حبل المشنقة، استجمعت قوتي ونهضت همتي وهجمت عليه وهو نائم ب 6 طعنات في صدره ورقبته وبطنه جلست بجوار جثته وانهرت في البكاء والحسرة. رأى الجيران الجريمة وأبلغوا الشرطة التي حضرت وألقت القبض على المتهمة وتمت إحالتها إلى النيابة العامة التي تولت التحقيق معها وقررت إحالتها إلى محكمة الجنايات وقضت المحكمة عليها بالسجن 25 عاماً بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.