بعد الثورة سقط "المقدس" السياسى أو المهنى، ولا أحد يعلو على النقد.. هذه واحدة من المسلمات.. وبات من حق الجميع أن يعبر عن رأيه وبالطريقة التى يراها، طالما ظلت بعيدة عن العنف أو الشتائم والبذاءات والكلام الفاحِش. مصر اليوم لا تحتاج إلى "الشتامين".. وإنما تحتاج إلى أفكار وخيال وإبداع.. مر حتى الآن عام من عمر الثورة وما زلنا لا نجيد إلا "الشتائم" و"الجعير" على الفضائيات.. وبتنا "فُرجة" مترجمة بكل لغات العالم. المحك التاريخى يكشف حجم ضآلتنا.. التجربة تصدمنا فى "الذات" التى ظلت متضخمة، وتقتات على الأفيات الجاهزة عن التاريخ والجغرافيا.. وعن 7 آلاف سنة حضارة.. وعن أم الدنيا.. فيما نعجز عن أن نكون مثل الجارة "البسيطة" ليبيا أو تونس. وسط هذا الهياج، حاولنا فى "المصريون" أن نقدم أفكارًا للطبقة الحاكمة.. بعيدًا عن الإسفاف وثقافة القطيع وانتهازية مثقفى ال"توك شو". من بين الأفكار التى قدمتها الصحيفة.. هو تفريق أركان "دولة مبارك" الموجودة فى طره، وعزلهم تمامًا عن المجتمع.. ليس فقط باعتباره مطلبًا قانونيًا وأمنيًا وثوريًا.. وإنما لتحصين الدولة من "عصابة الشر".. بعد أن تبين أنهم يتصلون بمعدى ومذيعى برامج "التوك شو" فى فضائيات "اللعب بالنار". وفى السياق ذاته، طالبنا بوضع سوزان مبارك تحت الإقامة الجبرية.. وهى الأفكار التى لاقت استحسانًا كبيرًا، من النخبة السياسية من جهة، وتم الاسترشاد بها من صانع القرار الرسمى من جهة أخرى.. فضلا عن مراجعة موعد انتخابات الرئاسة.. إذ قدمت اجتهادات وجيهة بشأن هذا الملف، قبيل حادث بورسعيد، ويبدو أنها باتت جزءًا من أجندة المجلس العسكرى، بعد أن كانت بعيدة المنال. مصر بالتأكيد تتعثر فى خطواتها التى طالت نحو التحول من "الديكتاتورية" إلى"الديمقراطية".. ولا ندرى ماذا يدخر لها "الغيب".. ولكن المؤكد أن الطريق لن يكون مفروشًا بالحرير.. وإنما بالكمائن وعبوات الأزمات السياسية والأمنية الناسفة.. وقد تكون الفاتورة باهظة التكاليف.. وهى ليست توقعات بقدر أنها ثوابت اجتماعية قد نستشرفها من قراءة التحولات السياسية الكبرى عبر التاريخ الإنسانى. لا خوف من المستقبل إذن طالما لم ينضب معين النخبة من الخيال والإبداع وإنتاج الأفكار التى تساعد السلطة، وشركاءها من القوى السياسة الأخرى، على تجاوز "المحن" المتوقعة. [email protected]