في أيام العيد تم الاعتداء على لافتات بعض مرشحي الرئاسة، في عدد من مدن ومحافظات مصر! واتهم تيار سياسي معين بأنه وراء تلك الاعتداءات. الحدث وفي هذا الوقت المبكر من شأنه أن يثير القلق، لأنه من المفترض أن يتصرف المصريون على النحو الذي يجعلهم يستحقون الديمقراطية والحرية.. وهو الاستحقاق الذي لن ينالونه، إلا إذا توفرت شروط أساسية في تكوين العقل السياسي المصري بعد الثورة، وعلى رأسها احترام حق المخالف أو "المنافس" في التعبير عن آرائه أو عن حضوره طالما ظلت في إطاره السلمي والقانوني والحضاري. تمزيق لافتات المنافسين، هو عمل "عدواني" و"همجي" وينتمي إلى نمط أنشطة العصابات والمجرمين، ولا يمكن بحال أن يصنف تحت أي لافتة سياسية محترمة. ويبدو لي أن البعض يختزل "برامج" المرشحين في بضع "لافتات".. ولعل هذا الوعي الطفولي والساذج، قد نشأ من قلب الظاهرة ذاتها.. إذ لا يوجد في الشارع إلا انتشار بكتيري من الافتات والمقار.. والناس لا ترى غيرهما.. فالوجوه والنشطاء والبرامج والأجندات لازالت مختفية، وحل محلها "أقمشة" ممتدة على الطرق والمباني لا تتجاوز حدود التهنئة أو التعريف على طريقة إعلانات برامج "التوك شو". وإذا كانت ظاهرة الاعتداء على اللافتات مقلقة في ذاتها بسبب دلالتها المسيئة للتجربة المصرية الوليدة.. فإن غياب البرامج وحضور اللافتات ربما يكون هو أكثر ما يثير القلق، لأنه يعني مراوحة العقل السياسي المصري، عند نقطة الولاءات الأولية المميزة لمرحلة ما قبل الدولة الحديثة، حيث يظل الولاء للشخصيات أو للمال السياسي أو الانتماءات القبلية والمناطقية والعشائرية والطائفية.. وربما ل"الغوغائية" أو للخطابات السياسية "التعبوية" التي بلا مضمون جاد وحقيقي، يعتمد فقط على العاطفة وإلهاب المشاعر العامة وحرقها في الهياج والانخراط في ثقافة القطيع. المرشحون للرئاسة اليوم، لا يملكون أية برامج واضحة ومحددة.. الرأي العام لا يعرف عنهم إلا "الأسماء" وبعض العناوين المتداولة في كلامهم عبر سهرات "السواريه" في الفضائيات.. لم نسمع من مرشح أفكارا تثير شهوة الجدل في الشارع المصري، كلها تقريبا صور "شف" لا تكاد تفرق بين مرشح وآخر، ولا أدري على أية المحاور والملفات الكبرى والمفصلية، سيجري حولها مناظرات محتملة.. بل يبدو لي أن غياب المناظرات ربما يكون عائدا إلى غياب "البرامج" التي تستحقها. الشارع بات خاليا من "المرشحين" الحقيقيين.. لا حضور لهم إلا من خلال لافتات ساذجة، تستقي خبراتها من تراث مصر ما قبل ثورة 25 يناير.. في ظل إحساس عام بان المرشحين لا يعتمدون إلا على وسائل تفترض وجود عقل مصري عام قابل للاستخفاف أو للاختطاف.. وهي في معناها الحقيقي لا تعكس غياب الابداع وضعف المواصفات المؤهلة لتولي منصب الرئاسة وحسب، وإنما تشير أيضا إلى إهانة ضمنية للشعب المصري، حين اعتقد المرشحون بأنه من "العبط" بحيث يمكن الضحك عليه بكلمتين حلوين. [email protected]