ما أشبه الليلة بالبارحة.. تظاهرات احتجاجية أمام وزارة الداخلية.. تراشق بالحجارة بين طرفى الاحتجاجات وقوات الأمن المركزى.. متوسط أعمار شباب المتظاهرين يتراوح بين 15 و30 سنة.. قنابل دُخان وأخرى مُسيلة للدموع.. طلقات مطاطية ورش وخرطوش.. دماء مصرية تسيل.. أمهات تصرخ وتبكى أولادها الشهداء، اتهامات من كل حدب وصوب للطرف الثالث، الذى تعارف عليه البعض إعلامياً ب"اللهو الخفى"، واتهام المتظاهرين للشرطة بإستخدام العُنف، وكذلك تفعل قوات الأمن المركزى. إحراق مبنى مصلحة الضرائب على غرار حرق مبنى المجمع العلمى، قتلى وجرحى مصريين بأياد مصرية. هذه الكارثة تتكرر وقنوات التليفزيون الفضائية تنقل مشاهد الأحداث من شوارع مصر، تعلق عليها كأنها تنقل أنباء ساحة حرب فى بلد آخر غير وطننا، تدعو الضيوف للحضور حول طاولة للحديث والتحليل، كل يدلى بدلوه تعبيراً عن رأيه وموقفه السياسى، وتحولت العملية إلى مكلمة فيما بينهم، وأحاديث توجه للعائلات المصرية فى البيوت، الذين يجلسون خلف شاشات التليفزيون، فى مُتابعة تجمع بين الفضول والقلق على مصر اليوم ومُستقبلها غداً، أما من هم فى ساحات التظاهرات وشوارعها فهم فى حالة اقتتال، لا يسمع أحد منهم نداءات العقلاء من أجل التهدئة "هذا إذا فعلوا". عقب مظاهرات شارع محمد محمود سمعنا وعودًا بأن قوات الجيش والشرطة ستقوم بحماية وتأمين المنشآت، تلاشياً لعدم تكرار حرق وتدمير أى مؤسسة مصرية، بعد حرق المجمع العلمى، تلك الجريمة التى لم تتكشف أبعادها الحقيقية بعد، وما أسفرت عنه التحقيقات والتحريات الشرطية من نتائج مُقنعة، ولم نعرف من "هو أو هُم" المخطط الحقيقى الذى يختفى وراء تنفيذ مثل هذه الجرائم.. وهى حالة ضبابية تؤدى لفقدان الثقة فى الإدارات السياسية، والشرطية التابعة لوزارة الداخلية، والعسكرية تحت قيادة المجلس العسكرى، وبالأمس القريب غابت الوعود وتكررت ذات المأساة بحرق مبنى الضرائب، حيث اعتلى عدد من الشباب سطح المبنى وبدأت بعدها عملية إشعال النار فيه، وكما حدث فى الماضى القريب شاهدنا على شاشات التليفزيون شبابًا فرحًا يؤدى رقصات الموت والتدمير، وآخرين يشيرون بعلامات النصر؟! طبعاً ثبت بالواقع أنه لا الجيش ولا الشرطة منعت حريق مبنى الضرائب.. إذا كانت لم تستطع تنفيذ ما قطعوه على أنفسهم من وعود فهذه مُصيبة، وإن لم يفعلوا عن قصد فالمُصيبة أعظم، ويحضرنى تصريح اللواء "أحمد جمال الدين" مُساعد أول وزير الداخلية فى بيان له أمام اجتماع عاجل عقدته لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب يوم السبت الماضى، لمناقشة أحداث الداخلية وبورسعيد قال فيه: "هناك دول حول مصر وعلى مستوى العالم لها مصالح فى مصر لاترغب أن تقف مصر على قدميها" ونحن نصدق سيادة اللواء ونضم صوتنا لصوته، فى ذات الوقت نسأله ونسأل كل الجهات الأمنية بوزارة الداخلية: ماذا فعل بهذه المعلومة؟ّ! وما الإجراءات الإحترازية الأمنية التى اتخذها؟! معنى كلام اللواء "جمال الدين" أن هناك مؤامرة تم تنفيذ جزء منها فى كارثة بورسعيد، والجزء الثانى هو توابعها الآن متمثل فيما يحدُث فى مُحيط وزارة الداخلية، وبما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس وحده داخل جهاز الشرطة الذى يعرف ذلك. لقد أصبح واضحاً جداً بأننا لسنا فى حالة انفلات أمنى فقط، بل تؤكد كل ما مرت به مصر من أحداث عُنف ومثله مُضاد منذ ثورة 25 يناير 2011، أنه لا توجد فى مصر إدارة للأزمات، وهذه كارثة أخرى ليست أقل من الكارثة الدموية فى بورسعيد، ولا الكارثة التى نحن بصددها الآن، وهذا أمر غريب جداً. أليس لدينا فى مصر خبراء لإدارة الأزمات؟ هل لا توجد أجهزة أمنية واعية يمكنها استشراف الأحداث؟ ألم يتحدث كثير ممن يقولون إنهم خبراء فى الأمن عن وجود مؤامرات على الوطن، تعمل على إحداث الفتن والفوضى؟.. لقد كانت معظم قوات الأمن فى استاد بورسعيد تقف تشاهد المجزرة، وأى مُحلل أجنبى يرى تلك المشاهد سيقر بما لا يدع مجالاً للشك أنه توجد ثمة تواطؤ، وهذه حقيقة مريرة تقشعر لها الأبدان، وإن قلت إنها تكاد تصيبنا بالجنون فلا مبالغة فى ذلك. الأمر الأشد دهشة وغرابة هو سياسة الاستخفاف بمشاعر الشعب وذاكرته التاريخية، حديثها وقديمها، انقذوا مصر يا سادة فقد سئمنا مشاهدة رقصات الموت على جسد الوطن. [email protected]