تخفيض ميزانية مراكز البحوث الزراعية من 70 مليون جنيه إلى 3ملايين جنيه.. ومراكز البحوث المائية من 40 مليونًا إلى 5 ملايين جنيه خبراء البحث العلمي: السيسى يصر على خصم رصيد شعبيته بإهماله البحث العلمي
فجّرت النتائج المالية المبدئية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2016 - 2017, غضبًا كبيرًا بين الأوساط العلمية والشعبية بعد ظهور اتجاه الدولة لزيادة نفقات عدد كبير من الهيئات السيادية على رأسها القضاء والشرطة في حين تراجعت وبنحو كبير ميزانيات البحث العلمي في عدد من الوزارات والهيئات خاصة مراكز البحوث الزراعية التي قلصت ميزانيتها من 70 مليون جنيه إلى 3 ملايين جنيه ومراكز البحوث المائية من 40 مليون جنيه إلى 5 ملايين جنيه. وأوضح خبراء الاقتصاد أن اتجاه الدولة لتفضيل زيادة النفقات الأمنية والقضائية مقابل تقليص ميزانيات البحث العلمي, سيكون له آثار كارثية على المجتمع في المستقبل وسيعرقل تنفيذ خطة الدولة للدخول ضمن مصاف الدول المتقدمة بحسب تصريحات وزير التخطيط. وطالب الخبراء بإعادة تعيين مفهوم الأمن القومي وهل سيقتصر على وزارات الداخلية والقضاء ليتم رفع موازناتهم بشكل مستمر, في حين يتم تخفيض موازنات مراكز البحوث في ظل اقتراب مصر من خطر مائي بعد اكتمال بناء سد النهضة, وتراجع معدل الإنتاج الزراعي. وأكد الخبراء أن هناك قصورًا أيضًا في مجال البحوث المختصة بالإنشاءات والكيماويات في الميزانية العامة للدولة، فإهمال البحث العلمي سيورث دولة متخلفة فلا يمكن أن تتقدم الدولة إلا بالاهتمام بالتعليم والبحث العلمى وعلى الدولة أن تتعافى في مجال البحث العلمي. وأنه لابد من الاهتمام بالبحث العلمي من جانب النظام سواء كان محافظين أو وزراء الحكومة وصولاً للرئيس السيسى، فإهمال البحث العلمي يمهد لعودة لنظام مبارك واشتعال ثورة جديدة. وفي إطار ذلك، رصدت "المصريون" آراء الخبراء في اتجاه الدولة لتخفيض موازنة البحث العلمي في العام المالي الجديد 2016 لصالح جهات أمنية وتأثير ذلك على التقدم العلمي في مصر. ميزانية البحوث الزراعية بلغت 800 مليون جنيه في حقبة الثمانينيات في البداية، يقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي ومدير مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة القاهرة، إن اتجاه الدولة لتخفيض ميزانية البحث العلمي في مصر خاصة فيما يتعلق بالبحوث الزراعية والمائية غير مبرر على الإطلاق وسيكون له آثار سلبية وخطيرة على القطاع الزراعي. وأضاف صيام أن ميزانية البحوث الزراعية بلغت 800 مليون جنيه في حقبة الثمانينيات وتم تخفيضها حتى وصلت إلى 70 مليون جنيه في 2015 ثم تخفيضها في الموازنة الجديدة للدولة للعام المالي 2016_2017 إلى 3 ملايين جنيه, وأيضًا ميزانية مركز البحوث المائية تم تخفيضها من 40 إلى 5 ملايين جنيه. وأوضح صيام أن هذه القيمة غير كافية لشراء جهاز أو عمل صيانة للأجهزة الموجودة في أي معمل علمي بحثي, ولمساعدة نحو10 آلاف باحث يتقاضون رواتب نظير استمرار أبحاثهم وتمويل تجاربهم, مما يعد تخريبًا متعمدًا للقطاع الزراعي الذي حدد له الدستور نحو 1% من الناتج المجلي الإجمالي المقدر بنحو 300 مليار جنيه, مما يعني أن الميزانية الحقيقية يجب أن تكون ب3 مليارات جنيه, كما أن مصر مقبلة على أزمة مياه تقتضي مواجهتها بالعمل على الدراسات المائية والتي تتطلب ميزانية مرتفعة، وهو ما تجاهلته الدولة في الموازنة الجديدة. وشدد صيام على أنه بدون البحوث لا يوجد ابتكار وإنتاج محاصيل وأمصال تساعد على زيادة الإنتاجية، خاصة أن مصر مقبلة على تغيرات مناخية ضخمة بسبب قلة الرقعة الزراعية وبعد اكتمال بناء سد النهضة الذي سيؤثر على حصة مصر في المياه، مما يشير إلى أن الاعتماد على البحث العلمي هو أمن قومي يضمن تحقيق التطور ومواكبة التغيرات المستقبلية". ولفت صيام إلى أن اتجاه المسئولين بالدولة لتخفيض ميزانية البحث العلمي في مقابل زيادة ميزانية الشرطة والقضاء بدافع المحافظة على الأمن القومي, يدعو بشكل عاجل إلى مراجعة الدولة لمفهوم الأمن القومي وهل من أحد مكوناته بل أهمها البحث العلمي ومواكبة التطور الذي يبقي على وجود توازن بين توفير الأمن الغذائي وحماية الدولة. فمشروعات استصلاح نحو 1.5 مليون فدان في الصحراء لن يتم بعدم وجود أبحاث مائية وزراعية والتي تعد من محددات الأمن القومي, فإذا لم يتحقق الاكتفاء الغذائي ستحدث ثورات واضطرابات اجتماعية, مستنكرًا في الوقت ذاته إنفاق الدولة على إنتاج مسلسلات درامية وإعلانات مختلفة بملايين الجنيهات.
النظام يدعم أنصاره في جميع الجهات بزيادة نفقاتهم
ومن جانبه، أوضح ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق، أن زيادة الإنفاق العام في الموازنة الجديدة في مصروفات القضاة والداخلية هو أمر متكرر، ويأتي في إطار إعلان الدولة محاربتها للإرهاب بعد التطورات السياسية الأخيرة وأيضًا زيادة ميزانية الشرطة التي تعمل على إخماد المظاهرات المعارضة للنظام واستخدام أسلحة ومعدات لتنفيذ ذلك على مستوى الجمهورية، مما يدعم زيادة الأجور وشراء معدات وأسلحة، مشيرًا إلى أن هناك ثمانية أوجه للإنفاق في الموازنة العامة يمكن أن تدخل فيها هذه الجهات. وأضاف الولي أن النظام يدعم أنصاره في جميع الجهات بزيادة نفقاتهم في حين نرى بعض الجهات البحثية التي تم إخبارها بميزانيتها للعام الجديد قد خفضت بنسب كبيرة ولكن لم يظهر هذا حتى الآن في البيان المالي المعلن, مشيرًا إلى أن الأرقام التي ظهرت حتى الآن في بيانات وزارة التخطيط تشير إلى وجود زيادات في عدد من مراكز البحث العلمي التابعة لوزارة البحث العلمي في بند واحد من الوازنة العامة للدولة الذي يتضمن ثمانية أبواب, لكن القيمة الحقيقية لن تظهر إلى بعد إعلان وزارة المالية البيان المالي الختامي الإجمالي لجميع الهيئات البحثية.
تخلف البحث العلمي في مصر يرجع إلى ضعف الإمكانيات المخصصة له في سياق آخر، قال الدكتور محمد السعدني، نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن تخلف البحث العلمي في مصر يرجع إلى ضعف الإمكانيات المخصصة له بشكل غير مسبوق، فيما نجد تصميمًا من الرئيس السيسى على خصم رصيده من شعبيته أمام الشعب المصرى بإهمال البحث العلمى والتعليم. وأوضح السعدنى بأن مشكلة البحث العلمي ليست في التمويل فقط وإنما المشكلة في عدم وجود خطة محكمة للنهوض به، ففي مصر تحولت وزارة البحث العلمي من وزارة خدمية إلى وزارة اقتصادية. فالعذر الوحيد الذي تستند إليه الدولة هو وجوب رفع موازنة الأمن والإرهاب لاستغلال الظرف الحالي بالحرب ضد الإرهاب في سيناء لتكون أولوية الدولة هو القضاء على الإرهاب على حساب النهوض بالبحوث العلمية والتعليم". وأوضح السعدنى بأن هناك قصورًا أيضًا في مجال البحوث المختصة بالإنشاءات والكيماويات في الميزانية العامة للدولة، فإهمال البحث العلمي سيورث دولة متخلفة فلا يمكن أن تتقدم الدولة إلا بالاهتمام بالتعليم والبحث العلمى وعلى الدولة أن تتعافى فى مجال البحث العلمي. وأوضح السعدنى بأنه لابد من الاهتمام بالبحث العلمي من جانب النظام سواء كان محافظين أو وزراء الحكومة وصولاً للرئيس السيسى، فإهمال البحث العلمي يمهد لعودة نظام مبارك واشتعال ثورة جديدة. الاهتمام بموازنة الأمن ومكافحة الإرهاب على حساب البحث العلمى "فترة مؤقتة"..
من زاوية أخرى، قال الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إن الدولة تتحمل عبئًا كبيرًا من تكاليف الأجور والمكافآت الخاصة بالبحوث العلمية، مضيفًا أن المشكلة الأكبر هو عجز الموازنة العامة للدولة والتي زادت إلى 319 مليار جنيه بعد أن كانت 240 مليار جنيه فقط. وأوضح الشريف أن تقليص الدولة لميزانية البحث العلمى من 70 مليون جنيه إلى 4 ملايين جنيه؛ نتيجة الحروب ضد الإرهاب في سيناء، لتضع الدولة أولوياتها في الإنفاق على الأمن ورفع ميزانية الداخلية ومكافحة الإرهاب عن مجال البحث العلمي، الأمر الذي سيتسبب في عدم إرضاء جميع الأطراف المشاركة في إنفاق الدولة عليها. وأكد الشريف أهمية اتباع الدولة لمبدأ ترتيب الأولويات للوصول بالتوزيع لتحقيق الأهداف المنشودة على مستوى جميع الوزارات دون إهمال البحث العلمى، معتبرًا أن مسألة الاهتمام بالبحث العلمي مجرد "فترة مؤقتة". فمصر ليست أولى الدول التي اهتمت بالأمن ومكافحة الإرهاب على حساب تطوير العلم؛ حيث كانت كل من بريطانيا وفرنسا تواجهان التهديدات بتفجير محطات المترو وأمريكا واليابان بمواجهة "الإرهاب" وتفجيرات إسبانيا، لتكون تلك الدولة سابقة لمصر في مجال مكافحة الإرهاب ولكنهم عادوا للاهتمام بالبحث العلمى مجددًا بعد عودة الأمن نسبيًا في البلاد. فالبحث والمعامل والأدوات العلمية مهمة جدًا ولكن دون أمن ومع الإرهاب لا قيمة له، فيجب أن تعمل الدولة على تقليل فترة وجوده والحد من حجم الإرهاب الذي تواجهه الدولة للتفرغ لإجراء البحوث العلمية وتطوير التعليم.