الأستاذ الدكتور وجيه يعقوب السيد، أستاذ الأدب العربى فى كلية الألسن جامعة عين شمس، قيمة أدبية كبيرة فى دنيا النقد والإبداع.. بما خلفه من أبحاث وكتب فى هذا المجال منها: الرواية والتراث العربي، هيئة قصور الثقافة، مصر، 1997م، و"دراسة في رواية ثنائية الحب والغضب لعلي أبو الريش"، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الإماراتية، ديسمبر 1998م، و"من قضايا الشعر الجاهلي"، مكتبة الآداب، القاهرة، 2000م، و"محمد حسن عبد الله ونقد الرواية"، كتاب تذكاري، دار قباء، 2000م، و"الرؤية الإسلامية في شعر علية الجعار"، مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي بمصر، و"خصائص الأدب في ضوء نظرية النقد الإسلامي"، مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي بمصر، 2000م، و"الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة"، مكتبة الآداب، القاهرة، 2004م، ومناهج النقد الروائي"، مكتبة آفاق، الكويت، 2013م،."سرديات الرواية العربية"، مكتبة آفاق، الكويت، 2014م، و"الرواية والتراث العربي"، مكتبة آفاق، الكويت، 2014م، و"من قضايا الشعر الجاهلي"، مكتبة آفاق، الكويت، ط 2، 2014م، و"يعقوب يوسف الغنيم وأدب الأطفال"، مؤتمر يوم الأديب الكويتي، قسم اللغة العربية، جامعة الكويت،2010م...علاوة على الأبحاث المنشورة فى الدوريات والمجلات الأدبية فى مصر والدول العربية. سوف نلتقيه فى الحوار التالى فى سلسلة حوارتنا (ذكرياتهم مع شهر الصوم) لنعرف منه ذكرياته مع شهر رمضان فى مصر وخارجها وهل هناك اختلافات بين الدول فى الاحتفال بهذا الشهر الكريم، ونتعرف من عن رمضان فى الأدب العربى وموضوعات أخرى سوف نطالعها من خلال هذا الحوار :
*ذكرياتك الأولى مع هذا الشهر الكريم؟ - خص الله تعالى شهر رمضان بميزات ليست في شهر سواه؛ فهو شهر نزول القرآن الكريم، وهو شهر الرحمات والمغفرة وشهر مضاعفة الحسنات. وهو شهر تصفد فيه الشياطين ويحال بينها وبين الناس حتى تنطلق الفطرة السليمة فيهم إلى آفاق التسبيح والعبادة والذكر والصفاء. ولا شك أن أكثر المسلمين ينتظرون قدوم هذا الشهر بفارغ الصبر لهذه الأسباب، كما أنه شهر تجتمع فيه الأسر وتوصل الأرحام وتهدأ الخصومات وربما تزول للأبد. أما عن ذكرياتي في هذا الشهر المبارك، فدائما ما ترتبط بالقرية والأسرة والأجواء الساحرة التي لا تنسى. حيث كانت أمي رحمها الله تستقبل هذا الشهر الكريم بالاستغفار وزيارة الأقارب والجيران وطلب السماح منهم، ثم إعداد الخبز بكميات كبيرة وبأشكال مختلفة حتى يكفينا طوال الشهر الكريم. كانت تتفانى في خدمتنا وإرضائنا بكل ما تستطيع. وكان والدي عليه رحمة الله يستقبل الشهر الكريم بصلة الأرحام بصورة كبيرة ويحثنا على ذلك، وكان يقص علينا الحكايات ويوظفها لهذا الغرض. أما الأصدقاء فكان الاجتماع بهم واللعب معهم متعة كبيرة لا يعدلها شيء، كنا نظل نلعب حتى موعد السحور تقريبا. كان في القرية مسجدان كبيران أحدهما تابع للأوقاف، والآخر بناه أحد المحسنين وهو الحاج شلبي بطين، ومعظم من كان يصلي فيه هم من الشباب الذين لا يفضلون الصلاة في مساجد الأوقاف، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تحليل؛ فكثير من خطباء الأوقاف رغم ما ينفق على إعدادهم وتعليمهم لا يجيدون الخطابة، ولا توجد عندهم وسائل يجذبون الناس بها، كما أن لغتهم ضعيفة وأساليبهم قديمة تميل إلى الحفظ والتكرار حد السآمة، لذلك وجد الناس ضالتهم في خطباء من غير خريجي الأزهر، مع ما لهذا من خطر أحيانا لأن هؤلاء غير متخصصين وهم أصحاب تأثير ونفوذ في نفوس كثير من الناس. كنت أصلي في المسجدين وأجالس الشيوخ الكبار وأحادثهم وأستفيد من خبراتهم وتجاربهم، كما كنت أختار بعض الصلوات وبعض المناسبات لألتقي أصدقائي في مسجد الحاج شلبي، ولعل هذا من الأسباب التي جعلتني أميل إلى التقارب والوسطية ورؤية الأمور بصورة مختلفة. فلا صراع بين الأجيال ولا صواب أو خطأ، وإنما هي رؤى ووجهات نظر وظروف قد تفرض على أصحابها سلوك هذا الطريق أو ذاك. في رمضان كنا نحضر الدروس الدينية والمواعظ ونبحث عن الشيوخ أصحاب الصوت الحسن، كما كنا نحرص على قراءة القرآن الكريم وحضور مجالس الذكر ومجالسة الصالحين. أما في القاهرة وبعد أن انتقلت إليها لإتمام دراستي الجامعية، فكانت فرصة حقيقية لحضور دروس العلماء المشهورين، فكنت أحرص على حضور خطب الدكتور عبد الصبور شاهين في جامع عمرو بن العاص وخطب الشيخ إسماعيل صادق العدوي بالأزهر الشريف ودروس الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد في مدينة نصر. وما زلت أتذكر كثيرا من تلك الموضوعات والقضايا الجادة التي كانوا يثيرونها. أذكر أننا في أثناء صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، فوجئنا بحضور أحد الوزراء - أظنه سليمان متولي – وعندما صعد الشيخ إسماعيل العدوي المنبر ليخطب ورأى الوزير في الصفوف الأولى، خطب خطبة بليغة ومؤثرة وموجهة لهذا الوزير بشكل مباشر، حيث تحدث الشيخ رحمه الله عن قصة آدم وحواء وسكناهما الجنة، وذكر قوله تعالى له ولزوجه: ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة. واتخذ من ذلك وسيلة ليتحدث عن أهمية السكن وضرورة توفيره للشباب، لأنه بدون الشباب والاهتمام بهم ومعالجة مشكلاتهم لا أمل في شيء. وظل يتساءل: أين دور الدولة في رعاية شبابها وتوفير السكن لهم حتى لا ينحرفوا ويحيدوا عن الطريق المستقيم؟ واندلعت بعد الخطبة مظاهرات كبيرة فرقها رجال الأمن بطريقتهم المعروفة. أما الدكتور عبد الصبور شاهين فكانت خطبه آية في الروعة والتجديد والإبهار. لا أنسى وهو يشرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن "تصفيد الشياطين" في شهر رمضان، ويرى أن التصفيد هنا مجازي وليس حقيقيا، وأن المقصود به تهيئة النفوس ومنحها القوة لقهر شهوات النفس، وليس تقييدا حقيقيا للشياطين كما يتصور البعض، وكان له درس قصير بعد الخطبة يتحدث فيه بطريقته الجميلة وروحه المرحة المعهودة، كان نطقه للغة العربية آية في الحسن والجمال، لم أسمع اللغة العربية بمثل هذه الروعة من أحد بعد الدكتور طه حسين سوى الدكتور عبد الصبور شاهين والشاعر فاروق شوشة. وكذلك كانت دروس الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد تشهد حشودا كبيرة من الشباب وكان له دروس في التفسير والعقيدة والسيرة والفقه. كنت أشعر أننا نجلس أمام عالم من مدرسة عبد الله بن عباس، إن تكلم في أي علم أجاد وإن سئل عن أية قضية وجدت له رأيا ووجهة نظر سديدة، كما أن ملامحه الجادة ونظرته القوية كانتا تضفيان عليه هيبة كبيرة فكنت تشعر أنك امام المجاهد الكبير عمر المختار. عندما تقارن تلك الأجواء بما نحن عليه اليوم تتحسر. أكاد أقول إن كل شيء قد تبدل. سكت العلماء وحل مكانهم أشباه العلماء والرويبضة، وابتلينا بطبقة من غلاة العلمانيين الشانئين للدين وأهله يجاهرون بعدائهم للطقوس الإسلامية، فتجد من يدعو إلى المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان بدعوى الحرية، زاعما أن الصيام مضر للكلى وأنه خطر على الدم وسائر أجهزة الإنسان الحيوية خاصة في فصل الصيف، ولا يتوقفون عن بث تلك الافتراءات والجهالات في وسائل الإعلام، كما تحول التلفزيون المصري بكل قنواته إلى ساحة لنشر السموم والفتن بدعوى محاربة الإرهاب، ولم يراعوا حرمة هذا الشهر ولا خصوصيته ولا مشاعر الملايين من المسلمين الذين يجددون العهد مع الله خلال هذا الشهر للتوبة والعمل على مرضاته.
*ماذا تعلمت من القرآن وسيرة المصطفى في رمضان؟ -عادة ما أخصص وقتا أكبر في شهر رمضان للقراءة الدينية، وحضور الدروس ومجالس العلم كلما أمكن ذلك. ولا شك أن معايشة القرآن وتدبر معانيه في رمضان تختلف عنها في سائر الشهور، فالنفس تكون أكثر صفاء وإقبالا على القرآن الكريم، وقد عايشت تفسير الكشاف للزمخشري في شهر رمضان معايشة كبيرة، وقد أسرني هذا المفسر بشخصه وعلمه وبلاغته على الرغم من نزعته الاعتزالية الواضحة، لكنه رغم ذلك يعد من أهم التفاسير في نظري، وفي الكتاب لمسات بيانية ولغوية عجيبة تستحق منا أن نتوقف عندها. كذلك عايشت كتب السيرة المختلفة، وأعجبني منها بشكل خاص كتب الدكتور محمد حسين هيكل، حيث رأيت فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل والنموذج والقدوة. وعلى الرغم من أن لرمضان خصوصيته وتجلياته كما ذكرنا، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غير رمضان سواء، كل ما في الأمر أنه كان يجد في العبادة ويكثر من الصلاة والتلاوة في هذا الشهر الكريم، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يعيشون العام كله كأنه رمضان، ما إن يودعوه حتى يكونوا في انتظاره وترقب قدومه من جديد. أما اليوم فأنت تجد المساجد ممتلئة عن آخرها في رمضان ثم تصبح خاوية بعد انقضاء الشهر الكريم، وكأن الناس ينتظرون بفارغ الصبر انقضاء الشهر حتى يعودوا لما كانوا عليه. كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحاربون في رمضان وينتصرون في رمضان وينجزون أعظم الأعمال في رمضان، ونحن اليوم نسأل: هل يجوز الإفطار في أثناء الاختبارات، أو عند خوض مباراة كرة قدم؟ إن أخطر ما أصاب هذه الأمة في هذا الجانب؛ تحويلها العبادات إلى مجرد طقوس، ونظرتها للماضي ولسيرة الرسول الكريم والصحابة رضوان الله عليهم على أنه مجرد تاريخ مشرف يدعو للفخر والاعتزاز وكفى، لكنهم لا يسعون لاستعادته وتطبيقه في حياتهم، يقول الحسن البصري في هذا الصدد: نزل القرآن الكريم ليعمل به فاتخذ الناس من تلاوته عملاً. لذلك يحدث ما نراه الآن من ضعف ووهن وهزيمة نفسية وفكرية ومادية وانسحاق على المستويات كافة، وذلك بسبب الاهتمام بالشكليات والأمور السطحية وترك الجوهر. *كيف كانت ذكرياتك مع رمضان خارج مصر؟ - قضيت خارج مصر سنوات طويلة، وعشت رمضان في أكثر من بلد عربي، ولا تختلف مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم كثيرا في تلك البلدان، وإن كانت مظاهر الاحتفال به في مصر في السنوات السابقة أكبر. لكن أفضل أيام قضيتها كانت في مكةالمكرمة والمدينة المنورة. هناك حيث النور والتحليق والماضي والحاضر والسماوي والأرضي والمطلق والمحدود والكل والواحد. هناك ترى المسلمين على اختلاف أجناسهم متحابين متجالسين يطعم بعضهم بعضا ويحدب بعضهم على بعض، أتعجب كيف يكونون على هذا النحو من الألفة والمحبة والأخوة ثم هم بعد ذلك يقتتلون ويغتاب بعضهم بعضا ويتربص بعضهم ببعض؟ وفي الكويت قضيت رمضان مرات عديدة، وتمتاز الكويت بأنها تهيئ مساجدها المختلفة لاستقبال المصلين في رمضان وصيانتها قبل حلول الشهر والقيام على خدمتهم، وتتسابق الجمعيات والأفراد على سقيا الماء وإطعام الطعام، كما تقوم وزارة الأوقاف باستقدام علماء وقراء مشهورين طوال شهر رمضان، فتكون أمام المصلين فرصة للتنقل من مسجد لآخر، ولعل أهم هذه المساجد هو مسجد الدولة الكبير، حيث يضم نخبة من شباب القراء المجيدين من داخل الكويت ومن خارجها.
*هل هناك ثمة اختلاف في مظاهر الاحتفال في مصر والدول العربية؟ -لكل دولة طابعها الخاص في الاحتفال بالشهر الكريم وطريقة استقباله، لكن معظم الدول العربية والإسلامية تتفق على تعظيم هذا الشهر وبذل المعروف والتسابق إلى المساجد وإقامة موائد الرحمن والتصدق على الفقراء. في مصر عندنا مثلا المسحراتي والتواشيح وموائد الرحمن وتزيين المآذن وفي الكويت مثلا هناك القرقيعان وهو توزيع الحلوى على الأطفال ابتهاجا بقدوم الشهر وأيضا موائد الطعام وتكون عادة في المساجد.
*كيف تناول الأدب العربي والتراث شهر الصوم؟ -من الكتب المهمة في هذا الباب، كتاب الدكتور حسين مجيب المصري: "رمضان في الشعر العربي والفارسي والتركي". والدكتور حسين مجيب المصري هو رائد الدراسات الإسلامية المقارنة كما تعلم، وقد ألف نحو ثمانين كتابا في هذا الباب، ومن حسن حظي أني التقيته وزرته في بيته كثيرا وكنت على اتصال دائم به حتى توفاه الله. لكن الذي ألاحظه أن معظم الشعر الذي قيل عن رمضان هو شعر مناسبات، لا يرقى لتجسيد خصوصية هذا الشهر والروحانيات والسمو النفسي الذي يكون عليها البشر في هذا الشهر الكريم. وأتمنى أن يصرف الأدباء الإسلاميون جانبا من اهتمامهم وجزءا من وقتهم لتجسيد خصوصية هذا الشهر بدون افتعال بالطبع. *أعمال تعتز بها وأنجزتها في رمضان ؟ - من الأعمال التي أعتز بها وقد كتبتها أو كتبت بعضها في رمضان؛ كتاب "أسماء الله الحسنى" وهو كتاب للأطفال والشباب وأنا أعتز بهذا الكتاب كثيرا كتبته في أكثر من مجلة وطبعته في أكثر من دار نشر، وسلسلة "قصة آية" وقد صدر منها حتى الآن مائة وستون قصة، وأسأل الله عز وجل أن أتمها حتى أغطي بذلك كل القصص القرآني المتعلق بأسباب النزول، وسلسلة "نساء مسلمات"، وسلسلة "أشبال الإسلام"، كما أعتز بالمجموعة القصصية التي كتبتها عن أشعب الطماع، ومعظم هذه الكتب عبارة عن سلاسل متصلة كنت أكتبها طوال العام، لكن ربما كان لرمضان النصيب الأوفر عند كتابتها، لأن الكثير منها كان ينشر في مجلات للأطفال لذلك كنت أشعر ببركة كبيرة في الوقت وتيسير من الله تعالى في إتمامها.