المادة "44" تحمى المعتقلين من الحبس الانفرادى.. قانونيون: مخالف للدستور.. ونفسيون: مهددون بأمراض"الهلاوس والتوحد والانتحار" دومة وماهر وعلى ويوسف وعدلى 5 يواجهون "الحبس الانفرادى ب"البسمة".. رنوة يوسف: "تعذيب وجريمة".. وحفظى: النظام يرى أن اختلاطهم "خطر"
دقيقة واحدة تخيل فيها هذا الموقف.. 22ساعة فى زنزانة بأربعة جدران أسمنتية ناعمة، لا ونيس أو جليس، رسومات تغطى تلك الجدران، غطاء خشن يغطى جسدك المتهالك، إجراءات مشددة اتخذتها إدارة السجون ضدك نظرًا لانتماءاتك السياسية، وصفه المحبوسون ب«السجن داخل السجن» لا وجود لشيء يكسر حدة الوحدة والألم، إنه «الحبس الانفرادى» الذى من المؤكد أنه إذا وضع إنسان عاقل فى ذلك الموقف لسنوات وسنوات، سيخرج إلى عالم الحرية بعدها "مجنون أو حتى فاقدًا للكثير من قدراته على التواصل مع البشر" وقد ينتهى به الأمر إلى "الإقدام على الانتحار" فهو موقف لا يحسد عليه العشرات من الشباب الثورى، الذى قبع لعدة سنوات ب"حبسهم الانفرادي" دون وجود أسباب قوية لاتخاذ ذلك الإجراء ضدهم وهو ما دفع عدد كبير من مناصرى الشباب لتدشين حملة قوية تحت شعار "لا للحبس الانفرادى.. أوقفوه" لتفتح "المصريون" ملف "الحبس الانفرادى ومدى قانونيته وتطبيقه والأثر النفسى الذى يعود على المسجون بعد الحبس الانفرادى. روايات ومآس ل"المحبوسين انفراديًا" بعد أن طفح الكيل بهم وسط تنديدات ومطالبات إما ب" الإفراج عنهم" أو حتى تخفيف عقوبتهم وأن يمارسوا حياتهم الطبيعية مع بقية زملائهم المحبوسين ووقف الحبس الانفرادى وكان على رأس هؤلاء المحبوسين "أحمد دومة الناشط السياسي، مالك عدلى المحامى الحقوقي، يوسف شعبان المصور الصحفى، أحمد ماهر مؤسس حركة شباب 6 إبريل، عمرو على المنسق العام للحركة" وغيرهم من الكثيرين ليدشن عدد من زوجات المعتقلين السياسيين والنشطاء المهتمين بالشأن الثورى حملة جديدة تحت شعار "أوقفوا الحبس الانفرادى" وذلك لما يحدث لهم وهم يقبعون داخل الزنازين دون رفيق أو ونيس لمدة تجاوزت ال 22 ساعة فى اليوم وساعتين للتريض ولكن بمفردهم أيضًا، وهو ما قد يسبب العديد من المشاكل النفسية للمحتجز وفقًا لخبراء علم النفس. وفى وقائع "الحبس الانفرادي" كانت هناك حكايات وروايات قالتها زوجات المحبوسين "انفراديًا" وأولهم نورهان حفظى، زوجة الناشط السياسى والثورى أحمد دومة، حيث قالت "أحمد داخل فى 3 سنين حبس انفرادى, ساعتين تريض و22 ساعة فى الزنزانة لوحده, من فترة لما بدأ يزهق بدأ يقدم طلبات زيادة ساعات التريض ل4 وفقًا لنصوص لائحة حالات الحبس الانفرادى كان الرد فى الأول ماشى هنشوف حاضر.. بعد شوية مع تكرار المطالبات بشكل رسمى ومكتوب لرئيس المصلحة، بقى الكلام فى مجملة من المصلحة كده كده جاية تجردلك الزنزانة مش قادرة أفهم إيه الخطر المحظور فى زيادة التريض مع العلم بأن العنبر اللى فيه أحمد يعتبر فاضي". وأضافت حفظى"أعيادنا وإجازاتنا بتعدى على المعتقلين عذاب ومرار بيتقفل عليهم طول مدة الإجازة الرسمية وبيتمنعوا من خروج حتى التريض.. تخيل لو كمان محبوس انفرادى لوحدك". وتابعت: "أنت مطالب تكلم نفسك طول مدة الإجازة يوم أو يومين أو تلاتة ومطالب تكلم نفسك 22 ساعة فى اليوم ولك ساعتين تكلم فيهم المخبرين لحد معاد الزيارة كل 15 يومًا, فى الزيارة هتتكلم مع أهلك ساعة وترجع تانى لنفس السيناريو". وفى سياق متصل قالت رنوة يوسف، زوجة المعتقل الصحفى يوسف شعبان، أنه مر العام الأول على حبسه بشكل انفرادى، مشيرًا إلى أن هذا الحبس يعد نوعًا من أنواع التعذيب وأبشع تجربة من الممكن أن يمر بها أى إنسان. وأضافت رنوة، "أن يوسف ممنوع عنه الجوابات والورق والأقلام لأن السجن شايف خطه الوحش هو شفرة لحاجة مش مفهومة فقرر يمنعها من بابها.. يوسف بيقعد ف زنزانته الانفرادية 22 ساعة وبيطلع تريض ساعتين فى اليوم بس وبرضه بيكون لوحده معظم الوقت". وبعد زيارة "أسماء على" زوجة المحامى الحقوقى مالك عدلى، له بسجن طره، روت تفاصيل زيارتها الأخيرة وتأثير الحبس الانفرادى على زوجها رغم تماسكه والمدة التى لم تتجاوز الشهرين داخل الحبس لتقول "قمت بزيارة مالك وعرفت أوصل عدد من الرسائل الخاصة بزملائه من الشباب وهو ما أصابه بدفعة معنوية قوية مشيرة إلى أن الموقف داخل مكان الاحتجاز مؤثر وصعب". وأضافت أسماء، أنه "مر شهر على وجود مالك فى حبسه الانفرادى بزنزانة غير مجهزة لا يوجد بها غير بطانيتين وإدارة السجن رافضة دخول "سرير" أو حتى ملاءة سرير خفيفة نظرَا للحرارة الشديدة".. وتابعت، أن مالك، يعانى من ضغط مرتفع يصل إلي"90/140" نظرًا لحبسه انفراديًا وكانت الزيارة أول مرة يتم السماح بدخول الدواء. وأشارت زوجة عدلى، إلى قلقها الشديد من أزمته الأخيرة الخاصة بضغطه العالى خصوصًا أنه فى زنزانة انفرادى وليس له أى ساعات للخروج للتريض.. ممنوع يكلم حد أو حد يكلمه وبالرغم من ذلك التعنت والضغط إلا أنه مازال يقابلها ب"الضحكة والابتسام". "الخروج عن النص" اعتبر عدد كبير من الفقهاء القانونيين، أن "الحبس الانفرادي"هو عقوبة المحبوسين فى حال الخروج عن النص أو قيامهم بأى أعمال شغب أو عنف داخل السجن، ليقوم مأمور السجن ومسئولوه بتوقيع عقوبة الحبس الانفرادى لمدة تتراوح بين "أسبوعين وشهر" حيث تنص المادة "44" من قانون التنظيم الخاص بالسجون، على أن مديرى السجن أو مأموريه من الممكن أن يقوموا بتوقيع عقوبات منها "الإنذار، الحرمان من بعض الامتيازات المقررة أو الحبس الانفرادى لمدة لا تزيد على أسبوع وتوقع هذه العقوبات بعد إعلان المسجون بالفعل المنسوب إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ويكون قرار مدير السجن أو مأموره بتوقيع العقوبة نهائيًا. وللتعليق على تلك المادة قال مختار منير المحامى الحقوقى وعضو مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن الحبس الانفرادى غير قانونى وغير ملائم قانونيًا سواء بالمادة 44 من قانون تنظيم السجون أو حتى دستوريًا، مشيرًا إلى أن المتهم أو المذنب يجب أن تعامله إدارة السجن بشكل آدامى وملائم طالما لم يرتكب أى أعمال شغب أو تمرد داخل السجن وذلك وفقًا لمواد الدستور المصرى. وأضاف منير، فى تصريحات خاصة ل "المصريون" أن الحبس الانفرادى يجعل المحتجز فى عزلة وله الكثير من المساوئ ولها تأثير نفسى قوى على المحبوسين انفراديًا، حيث يتم منع الكثير من الوسائل المعيشية وفصله عن العالم الخارجى بشكل كبير مشيرًا إلى أن ما يحدث يعد سياسة واضحة من النظام والسجون لتكدير المحبوسين خاصة من الشباب الثورى. وتابع المحامى الحقوقي، أن هناك انتهاكًا قويًا للقانون فيما يحدث من حبس انفرادى للمتهمين المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا مختلفة منهم "مالك عدلى ويوسف شعبان" حيث إن ذلك يعد مخالفة للقانون بشكل صريح لأن المتهم لم يثبت بعد ارتكابه للجرم ولا يشكل خطرًا على المجتمع ومن الممكن أن يصدر بحقه قرار بإخلاء السبيل أو البراءة بعد محاكمته. التأثير النفسى أما على الجانب النفسى وتأثير المدد الطويلة التى يقضيها المحتجزون داخل زنازين "الحبس الانفرادي" كشفت دراسة أمريكية أجريت فى عام 2011، برعاية الطبيب "ستيوارت جرايشون" بجامعة هارفارد أن الحبس الانفرادى لمدة طويلة يعد «تعذيبًا يجرمه القانون».. وركزت الدراسة على بحث الأوضاع الخاصة بالسجناء فى الولاياتالمتحدةالأمريكية كونها من أكثر الدول التى تمارس مثل هذا الانتهاك لمدة طويلة مع السجناء. وأوضحت الدراسة، أن هناك تأثيرًا نفسيًا قويًا يقع على المسجونين نتيجة الحبس الانفرادي، ووجد أن ثلث العينة الخاضعة للدراسة أصيبت بأعراض ذهنية مثل ضلالات وهلاوس، ووصلت حالة البعض لدرجة الإقبال على الانتحار. واستطاع «جرايشون»، أن يصف «متلازمة نفسية» خاصة بسجناء الحبس الانفرادي، ومن أعراضها: هلاوس ونوبات فزع وبارانويا واندفاعية وحساسية مفرطة تجاه أى مثير خارجى مثل الضوء و الصوت، ومشاكل فى الذاكرة وعدم القدرة على التركيز فترات طويلة لدرجة فقدان الانتباه فى أوقات كثيرة، وعدم القدرة على التواجد فى الواقع والانشقاق عنه فى بعض الأحيان، كما أن البعض قد تسيطر عليهم هواجس تدمرهم ومعظمهم يعانى من مشاكل سلوكية لها علاقة بالتعبير عن الغضب مثل عنف شديد تجاه الآخر أو إيذاء للذات بشتى الطرق وفى بعض الحالات شديدة اليأس يصبح الانتحار وسيلة للهروب من واقع الحبس وألمه، ولهذا فنسبة الانتحار أعلى بين المحبوسين انفرادى عن باقية المسجونين. وأضافت الدراسة، أن علم الاجتماع والنفس يصف كيف أن الإنسان بطبعه اجتماعى لدرجة أن معظم سلوكياته تنبع من اجتماعيته، لكن الحبس الانفرادى لمدة طويلة يسلب الإنسان طبيعته الاجتماعية ويجرده من مهارات التواصل الاجتماعى ويعزله داخل عالم وحيد مخيف وهش و فى بعض الأحيان نجد أن المحبوس الانفرادى قد توقف عن فعل أى سلوك على الإطلاق «كائن بلا سلوكيات» هو كائن غير موجود. وصدق على تلك الدراسة الدكتور محمد مذيد أستاذ الطب النفسى، قائلًا: إن عزلة الإنسان فى مكان أى كان صفته يعرضه للعزلة والإصابة بأمراض منها الهلاوس والفزع والاندفاعية وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين. وأضاف مذيد، فى تصريحات خاصة ل"المصريون" أن بعض المحتجزين الذين يواجهون "الحبس الانفرادي" مهددون بشكل كبير بالإصابة تلك الأمراض النفسية خاصة "العزلة والانطواء" مشيرًا إلى أن أساتذة علم النفس والاجتماع أكدوا فى نظرياتهم، أن الإنسان كائن اجتماعى بطبعة لا يميل للعزلة وهو ما يؤكد أن فكرة انعزال الإنسان عن التواصل مع غيره يجعله عرضه ل " الاكتئاب" لأنه يبدأ فى الحديث مع ذاته والتفكير فى أشياء وقد يصل به الأمر ل"الانتحار".