مبارك "أنا أو الفوضى" للقضاء على ثورة يناير.. والمجلس العسكرى لوح ب"اللهو الخفي" مرسى كان دائم الحديث عن "الطرف الثالث" والسيسى يصف معارضيه بأنهم "أهل الشر" محللون: الأنظمة تستخدم مصطلحات وهمية لتكون "فزاعة" للمواطنين
شهدت مصر خلال الفترة الماضية، والتى بدأت منذ اندلاع شرارة ثورة 25 يناير 2011، العديد من الأحداث المهمة فى الدولة وامتطى كرسى الرئاسة خلال تلك المرحلة، عدد من الرؤساء بداية من الرئيس المخلوع حسنى مبارك، والتى قامت عليه الثورة انتهاء بالرئيس الحالى عبد الفتاح السيسي، وكان هناك قاسم واحد مشترك بين كل الرؤساء، وهو استخدامهم لبعض المصطلحات المبهمة وغير المعروفة لإلصاق الأحداث الساخنة بها، فقد استخدم الرؤساء بعض المصطلحات التى مازالت عالقة فى نفوس المواطنين، فدائما كان يستخدم الرئيس المخلوع حسنى مبارك مصطلح الإرهاب فى خطاباته لتكون فزاعة للمواطنين، وعقب اندلاع ثورة يناير استخدم مصطلحه الشهير "الفوضى" للتعبير عن رفضه للثورة، وذلك حينما قال "أنا أو الفوضى" فيما استخدم المجلس العسكرى بعد استلامه السلطة مصطلح "اللهو الخفي" وألصق به كل الحوادث التى وقعت عند توليه السلطة. فيما استخدمت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس المعزول محمد مرسي، مصطلح "الطرف الثالث"، الذى بوصفهم، هو السبب فى إثارة القلاقل والمشكلات فى كيان الدولة المصرية، فيما استخدم الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى مسمى جديد أطلق عليه "أهل الشر"، وهم بحسب وصفه كل من يعمل ضد مصر. وفى إطار ذلك كله ترصد "المصريون" أهم المصطلحات التى استخدمها الرؤساء المصريون كفزاعة سياسية لإلصاق التهم بها وعدم الكشف عن الفاعل الحقيقي.
"أهل الشر" لن يمر خطاب أو حديث إلا وتكلم الرئيس عبد الفتاح السيسى عن أهل الشر، واصفا إياهم بأنهم من يحاولوا هدم الوطن، وتعطيل العمل ومصالح المواطنين فى مصر، ذلك حسبما ذكرهم السيسى فى حديثه الأخير مع الإعلامى أسامة كمال. وظهرت كلمة "أهل الشر" لأول مرة فى أول حوار تليفزيونى للرئيس عبد الفتاح السيسى، عقب إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية فى مايو 2014، وذلك أثناء تقديمه الشكر للعاهل السعودى الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، داعيًا الله أن يحفظ المملكة من "أهل الشر". أما المرة الثانية، فكانت أواخر العام نفسه، فقد حذر السيسى المصريين من "أهل الشر" الذين لا يريدون للمصريين أن يروا التعمير والإصلاح والبناء، وبعد هجمات وصفت بالأكبر داخل سيناء قام بها تنظيم "ولاية سيناء" أواخر يونيو 2014، تحدث الرئيس السيسى فى كلمته هناك عن "أهل الشر" الذين قاموا باغتيال النائب العام السابق هشام بركات، دون أن يوجه أصابع الاتهام أيضا إلى أية جهة أو أشخاص. وفى مايو عام 2015، وأثناء حديثه عن بعض التفصيلات الخاصة بالميزانية وحجم الإنفاق على المشاريع القومية، فى كلمته خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، قال السيسي: "أنا مش عايز أقول كل حاجة بالتفصيل وبقول الأرقام بشكل سريع علشان أهل الشر الموجودين بنشاور لهم على الخير يخلوه شر"، وفى كلمته أثناء افتتاح تفريعة قناة السويس فى أغسطس 2015، لم يتخل السيسى عن مصطلحه المفضل، حتى وهو يخاطب عددًا من رؤساء وملوك من دول العالم حضروا حفل الافتتاح، حيث كرر السيسى كلمة أهل الشر خلال حديثه مرتين فى فقرة واحدة من خطابه. وبعد حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء أواخر أكتوبر الماضي، زار السيسى مطار شرم الشيخ، وقال إن الهدف من الزيارة هو طمأنة الناس داخل وخارج مصر، مشيرًا إلى أن "أهل الشر بيحاولوا يعرقلوا كل النجاح اللى مصر حاولت تعمله". وفى 8 مارس 2016، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى مداخلة هاتفية مع المذيع "عمرو أديب" على قناة "اليوم" المشفرة، مصطلح "أهل الشر" فى إطار حديثه عن استعدادات الجيش لمواجهة التهديدات المحتملة، وأضاف السيسى فى مداخلته: "أنتوا متعرفوش قوة الجيش المصري، والله.. وبسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، لسه.. إحنا ساكتين ومستنيين وبنستعد لأهل الشر، وكنا عاملين توسعة للطريق من العريش لغاية الشيخ زويد، والتى تصل بالحدود مع قطاع غزة، وكل المقاولين تعرضوا لمحاولات عرقلة". وفى فبراير 2016، وفى خطابه الذى أثار موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل، بسبب كلمات مثل "صبح على مصر بجنيه" و"أنتم مين"، قال السيسى إن هناك مصنعين لإنتاج الغاز لن يصرح بمكانهما "حتى نتجنب أهل الشر وحتى لا يضرنا أحد".
"الطرف الثالث" كان الرئيس الأسبق محمد مرسى دائمًا ما يستخدم "الطرف الثالث" فى أحاديثه ليتكلم عن وجود مؤامرة تحاك ضده، بطلها دائما كان الطرف الثالث فى خطاب له فى نوفمبر 2012، كشف مرسى عن مؤامرة يقودها بعض القوى السياسية ضد الدولة لإسقاط المؤسسات المنتخبة فى مصر وعمل انقلاب على الشرعية، مضيفًا أن الممارسين للعنف فى أحداث الاتحادية بعضهم مستأجرون مقابل مال دفع لهم، وكشفت عن ذلك تحقيقات النيابة، فمن أعطى لهم المال ومن زودهم بالسلاح. وأشار مرسى إلى أن الطرف الثالث هو المتسبب فى كل الأحداث سواء فى أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود وأحداث بورسعيد. ولم يتوقف حديث مرسى عن الطرف الثالث خلال حكمه فقط، بل تحدث عنه أيضا فى محبسه، حيث قال خلال سادس جلسات محاكمته فى قضية "اقتحام السجون"، إن مساعى غير معلومة تعبث بالمتهمين ودفاعهم بغية إنهاكهم، مؤكدا أن "الطرف الثالث" سيفشل فى النهاية، كما أشار محامى مرسي، إلى أن التحقيقات فى قضية الاتحادية، أكدت وجود طرف ثالث قتل الشهداء فى واقعة الاتحادية بعيداً عن المؤيدين والمعارضين فى هذه القضية، مشيراً إلى أن معرفة الطرف الثالث وتحديده مسئولية المباحث والنيابة.
"اللهو الخفى" كان "اللهو الخفي" هو المادة الخصبة والمصطلح الأكثر قوة إبان حكم المجلس العسكرى عقب اندلاع ثورة 25 يناير، وكان دائما ما يلصق المجلس العسكرى التهم إلى "اللهو الخفي". كما انعكس هذا الشبح، أى "اللهو الخفي" على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتها وقد حدثت عدة حوادث جسيمة خلال فترة تولى المجلس العسكرى السلطة لم يعرف حتى الآن من وراؤها وكان الحل الأسهل لمصطلح "اللهو الخفي"، فقد وقعت أحداث شارع محمد محمود التى لا يعرف أحد حتى الآن من وراؤها، وبعد أن مرت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية بسلام وحصل التيار الإسلامى فيها على نسبة 60%، جاءت أحداث مجلس الوزراء وبعدها مذبحة ماسبيرو، ليتصدر "اللهو الخفي" عرش التبريرات إبان حكم المجلس العسكرى مصر.
"الإرهاب والفوضى" كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك، دائم الحديث عن الإرهاب فى حكمه وكان يتخذه ذريعة لقمع معارضيه، ولم يتوقف حديثه عن الإرهاب فقط داخل مصر، ولكنه امتد خارج مصر أيضًا، فتحدث مبارك، خلال زيارة له فى فرنسا، لمقابلة الرئيس الفرنسى جاك شيراك، فى 2007، عن الإرهاب فى فرنسا وفى جميع دول العالم، وقال "مبارك": "إحنا طالبنا كثيرًا بعقد مؤتمر عالمى بشأن الإرهاب، إلا أن الدول رفضت لأسباب لن أفصح عنها، وزعمت أن مصر تدعو إلى هذا المؤتمر لأنها تأذت من الإرهاب بشكل شخصي". وأضاف: "الآن جميع دول أوروبا والعالم عانت وستعانى من الإرهاب، وهم الخاسرون"، وفى 1 فبراير 2011 ابتدع مبارك استراتيجية جديدة للحفاظ على مكتسباته والخوف على مستقبله بعد اندلاع ثورة 25 يناير، بعد فشل أساليب الاستعطاف واللهجة الناعمة فى محاولة كسب الشعب لصفه مرة أخرى، فى أعقاب حزمة من القرارات المتأخرة التى لم تغير من الوضع شيئًا، إذ أعلنها صريحة خلال خطابه قبل الأخير يوم 1 فبراير، حينما صور للشعب أن الاستقرار مرتبط به، فارضًا عليهم خيارًا وحيدًا ما بين "الاستقرار أو الفوضى."
فزاعة المواطنين يقول الدكتور خالد متولي، عضو حزب الدستور، إن الرؤساء دائمًا ما يستخدمون بعض المصطلحات لتكون فزاعة أمام المعارضين لهم فيجدون هذه الألفاظ لتكون وسيلة لهم للقمع وكتم الحريات. وأضاف متولي، أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان دائمًا ما يستخدم كلمة الإرهاب حتى يستطيع أن يدعم حكمه، وأن يستمر فيه إلى ما لا نهاية، واستمر على نفس الخط كل من المجلس العسكرى والرئيس الإخوانى محمد مرسي، الذى كان دائم التبرير بأن هناك طرفًا ثالثًا يسعى لهدم الكيان المصري. وتابع عضو حزب الدستور، أن الرئيس عبد الفتاح السيسى انتهج نفس الخط ولكنه استخدم لفظًا جديدًا وهو "أهل الشر" ويصف كل معارضيه بأنهم أهل الشر، على الرغم من أن المعارضة شيء مهم لأى نظام يهدف إلى الاستقرار. واختتم متولى قائلا إنه بالرغم من استخدام الرؤساء للفزاعة إلا أن الثورة تنتصر فى النهاية وتقضى على أى رئيس ديكتاتور فى الدولة.
قمع المعارضين من جانبه، يقول عمرو عمارة، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، إنه دائما يلجأ الرؤساء الفراعنة إلى تجهيز بديل ثابت يكون ذريعة له للتخلص من معارضيه، لأنه لم يعتقد أبدًا أنه سوف يترك الحكم تحت أى مسمى، وهو عنده إحساس أنه لا أحد يستطع أن يحاسبه. ويضيف عمارة، أن الرؤساء المتعاقبين على حكم مصر يسعون دائمًا إلى عدم بناء دولة قوية ونشر الجهل والمرض حتى لا تتكون معارضة قوية تتطمع فى الحكم فيما بعد، فلن يكون هناك الآن أو فى المستقبل رئيس لمصر غير فرعون، لأننا أصبحنا شعبًا جاهلاً. وتابع: نظام مبارك كان أكثر مَن استخدم الفزاعة لقمع المعارضين ولكن لن نحمل نظام مبارك فقط، لكن المنظومة كلها تتحمل من وجهة نظري، فالرئيس الأسبق جمال عبد الناصر هو أول من قام بذلك.
استخدام الفزاعات ينجح لأن الشعب ينقصه الوعى وعلى نفس السياق، أكد محمد الديب، عضو حزب الوسط، أن الرؤساء ومنذ 25 يناير وإلى الآن يلجأون إلى الفزاعة السياسية ودائمًا ما ينجح ذلك بامتياز، لأن درجة الوعى غير كافية، والجهل والفقر والمرض موجودون بنسبة مرتفعة فى مصر. وأضاف الديب، أن أجهزة الأمن دائما تلعب على ذلك من عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وحتى الآن.