جمال سلطان تمثل العلاقة بين القانون والسياسة في أي دولة معيارا حاكما لمدى قربها أو بعدها من قيم الحرية والعدالة والديمقراطية ، فبقدر ما يكون القانون حاكما للسياسة وفعلها ، بقدر ما يعتبر النظام السياسي رشيدا وديمقراطيا تسوده العدالة والبلد متحضرا ، وبقدر ما تكون السياسة حاكمة للقانون وفعله ، بقدر ما يكون النظام السياسي فاسدا وديكتاتوريا وأبعد عن الرشد السياسي والإنساني وأبعد عن التحضر ، وفي معظم أنحاء عالمنا العربي مع الأسف ، يكون القانون مجرد أداة من أدوات السياسية ، تستخدمه السلطة وقتما تشاء لتصفية خصم سياسي ، أو تدمير مستقبله ، أو بالمقابل التستر على فضائح وانحرافات ، ربما يكون المشهد السوري الحالي يمثل حالة نموذجية لهذه المعادلة ، فالهياج العام الذي رأيناه طوال الأيام الماضية في دمشق ، بعد التصريحات المروعة التي أدلى بها نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام ، الرجل القوي في رأس هرم السلطة طوال قرابة ثلاثين عاما ، هذا الهياج الذي مثلته الصحف ومجلس الشعب السوري ضد نائب الرئيس السوري السابق ، والمطالبة بالكشف عن ملف الفساد الخاص به ، وظهور وقائع مروعة عن حالات فساد ضخمة ، بعضها يمثل جريمة صحية في حق الشعب السوري مثل دفن نفايات محظورة ، واختلاسات بعشرات الملايين من الدولارات ، وأمور أخرى ، هذا كله ظهر فجأة أو بالأحرى أعلن فجأة ، بعد تصريحات خدام التي أحرج بها النظام السياسي السوري برمته ، بطبيعة الحال ، كل هذه المصائب التي ارتكبها خدام لم تكن خافية على النظام السياسي وأجهزته القانونية والأمنية والرقابية ، لأنه من غير المعقول أنهم اكتشفوا هذه الجرائم كلها بين يوم وليلة ، فجأة بعد تصريحات خدام ، وإنما كانت معلومة ، ولكن كان يتم التستر عليها ، أي التستر الرسمي على الفساد والجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوري ، مقابل خدمات خدام للنظام وحمايته والتستر أيضا عليه ، فهو تستر تضامني بين الطرفين ، فعندما نقض أحد الطرفين الاتفاق التضامني على التستر اعتبر الطرف الآخر أنه في حل من هذه الشراكة ، ومن الممكن جدا أن يتم فتح التحقيق القضائي الآن في جرائم خدام ، ومن المحقق أنها لو فتحت فسوف يحكم عليه بأحكام رادعة ، لن تتوقف دون الإعدام ، ولو سكت خدام ولم يفجر قنابله التي أحرج فيها النظام السياسي السوري ، فمن المؤكد أن أحدا في سوريا لم يكن ليفعل أو ليستطيع أن يفعل ما يفعلونه الآن ، وهذا القانون وأجهزته القضائية التي تتحرك الآن بهمة ونشاط إنما تتحرك بالتوجيه السياسي ، وليس بموجب العدالة وتحقيق سيادة القانون ، وإنما سيادة النظام السياسي فقط لا غير ، الأمر المؤسف أن هوجة مجلس الشعب السوري قد انتقلت بالريموت كونترول أو بأدوات أخرى إلى صحف مصرية ، اكتشفت فجأة أن عبد الحليم خدام فاسد ومرتشي ورددت نفس الاسطوانة التي قالها مجلس الشعب السوري ، ومن الطبيعي أن نسأل هذه الصحف ذات الهمة ، هل هذا اكتشاف جديد ، أم أنه كان قديما وتسترتم أنتم أيضا على هذا الفساد ، لماذا لم تتحدثوا عن فساد الرجل من قبل ، وهل تملكون أدلة دامغة على هذا الفساد التفصيلي الذي أشرتم إليه ، وما هي الأجهزة السورية التي تفضلت بإمدادكم بهذه التفاصيل ، دام فضلكم . [email protected]