قال الكاتب الصحفي فهمي هويدي، إن التطور الأخير في حركة «النهضة» لم يكن نتيجة لإكراهات الواقع، وإنما هو تتويج لمسار تاريخي طورت فيه موقفها تبعًا لمقتضيات التفاعل مع الواقع ومواجهة تحدياته. وتابع في مقال نشرته جريدة السفير، اليوم الثلاثاء، أن الحركة ظلت تطور أفكارها طول الوقت كما طورت عنوانها، فقد بدأت باسم «الجماعة الإسلامية» ثم حملت اسم حركة «الاتجاه الإسلامي»، وبعد ذلك اختارت «النهضة» عنوانا لها. وأضاف أنها في مرحلة بورقيبة التي هبت فيها رياح التغريب قوية على تونس، كانت الحركة عقائدية تخوض معركتها من أجل الهوية، بينما تحولت إلى حركة احتجاجية في مرحلة بن علي ونظامه الشمولي والاستبدادي. أما مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام بن علي، وبعد حسم مسألة الهوية بالنص في الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام، فإن الحركة ارتأت أن تتحول إلى حزب ديمقراطي وطني له مرجعيته الإسلامية والتزامه بمقتضيات الدستور وروح العصر. وقال أن فكرة التمييز بين السياسي والدعوي ليست جديدة في الساحة الإسلامية، لافتاً إلى أنها أحدثت رنينها القوي لأن إطلاقها في تونس تم في أجواء عربية ودولية غير مؤاتية، ذلك أن نموذج «داعش» ومن قبله «القاعدة» صار مهيمنا على الفضاء العام، إضافة إلى أن صراع النظام المصري مع حركة «الإخوان» فوت فرصة إخضاع تجربتهم للنقد واكتفى بتصنيفهم ضمن «أهل الشر». وأشار إلى أن ظروفاً أخرى متعلقة بالصراعات الفكرية وبالعوامل الإقليمية أسهمت في تعميم الاتهام على جميع تجليات الظاهرة الإسلامية، حتى اختلط العاطل بالباطل، وبحيث علت أصوات رفضت التمييز بين المعتدلين والمتشددين، موضحاً أنها آثرت وصف الجميع باعتبارهم متطرفين وإرهابيين. وأردف انه لهذا السبب اُعتبر الحدث التونسي تطوراً استثنائياً وصفه البعض بأنه هزيمة للإسلام السياسي وانتصار للعلمانية. وقال إن الدكتور محمد عمارة ذكره في مؤلفه «إسلامية الدولة والمدنية والقانون» بأن عبد الرزاق السنهوري أبو القانون الدستوري في مصر نشر دراسة في العام 1929 بمجلة «المحاماة» تحدث فيها عن التمييز بين الدين والدولة في الفكر الإسلامي وعارض فكرة الفصل بينهما. وتابع أن عمارة انحاز إلى فكرة التمييز التي تبناها آخرون في مصر ودعوا إليها، مشيراً إلى أن منهم المستشار طارق البشري. وأورد أمثلة على عدد من الكتابات التي وصفها بالمهمة والتي عمدت إلى تأصيل الفكرة، منها مؤلف سعد الدين العثماني الذي صدر في العام 2009 بالدار البيضاء تحت عنوان «الدين والسياسة تمييز لا فصل»، مشيرا إلى أن العثماني من أبرز قيادات حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، وأنه كان أمينا عاما للحزب حتى العام 2008 وعين وزيرا لخارجية المملكة في العام 2012. أما على الصعيد العملي، فقال المفكر الإسلامي إن الحركة الإسلامية العربية عرفت الفصل بين السياسي والدعوي في ثلاثة أقطار عربية هي الأردن والمغرب ومصر. وأردف أن حركة «الإخوان» كانت قد تشكلت في الأردن العام 1946، لافتاً إلى أنها أسست العام 1992 حزبا تخوض به الانتخابات باسم «جبهة العمل الإسلامي». أما في المغرب فأوضح أن الحركة الإسلامية التي تشكلت في العام 1996 حملت اسم «حركة التوحيد والإصلاح»، وأنها اختارت أن تؤسس حزبا في العام 1997 باسم حزب «العدالة والتنمية». وقال إنه وبرغم التشابه في الشكل، فإن التجربتين اختلفتا بصورة نسبية، موضحاً أنه في الأردن تداخلت الحركة مع الحزب حتى بدا كأنهما يخضعان لقيادة واحدة، وأنه وبرغم مشاركة الحزب في الانتخابات إلا أنه لم يستطع لأسباب عدة أن يحقق الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة. وأكد أنه لذلك السبب ظل تمثيله مقصورا على المشاركة في البرلمان أو الحكومة. وأشار إلى أن الموقف في المغرب اختلف إلى حد كبير، موضحاً أن استقلال حزب «العدالة والتنمية» عن حركة «التوحيد والإصلاح» ظل محسوما، وأن الحزب حقق نجاحات متزايدة في الانتخابات التشريعية إلى أن احتل المرتبة الأولى في انتخابات العام 2011، وتولى أمينه العام عبدالإله بنكيران رئاسة الحكومة في العام 2012 بالتحالف مع ثلاثة أحزاب أخرى، وأن الحكومة لا تزال مستمرة إلى الآن. أما عن التجربة في مصر فقال هويدي إنها كانت محدودة ومتواضعة، موضحاً أن جماعة «الإخوان» التي تأسست في العام 1928، شكلت حزب الحرية والعدالة في عام 2011، بعد «ثورة 25 يناير»، لكن الحزب ظل متداخلا مع الحركة، إلى أن انهار مع انهيار الجماعة وحظرها في العام 2013. واستدرك أن مصر عرفت حزبين سياسيين التزما بالمرجعية الإسلامية خارج الجماعة، هما حزبا «الوسط» و «مصر القوية»، وإلى جوارهما شكل السلفيون حزب «النور»، مضيفاً أن هذه الأحزاب لم تثبت حضورها في الفضاء المصري بعد، برغم أن حزب «النور» حقق تقدما ملحوظا في الانتخابات التي تمت تحت حكم «الإخوان». وأكد أن هذه الخلفية تسوغ القول بأن الخطوة التي أقدمت عليها حركة «النهضة» أقرب إلى التجربة المغربية في الفصل بين الدعوي والسياسي، إلا أنها تقدمت عليها في الخروج من فضاء الدعوة. وتابع أنها بذلك أقرب إلى النموذج التركي في الاكتفاء بالنشاط السياسي وان اختلفت عنها في المرجعية، وذلك لأن حزب «العدالة والتنمية» التركي (المقتبس من التجربة المغربية) مرجعيته علمانية وليست إسلامية. وقال إن هذا التحول الذي أقدمت عليه الحركة، يمثل خطوة جريئة عبرت عن طموح قيادات «النهضة» وعلى رأسها الشيخ راشد الغنوشي، وهو من تبنى منذ أمد بعيد موقف الدفاع عن الديمقراطية، موضحاً أنه سجل ذلك في كتابات عدة، كان أحدثها مؤلفه «الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام» الصادر العام 2012. وأشار أيضاً إلى أنه ينبغي التريث لكي يتبيّن مدى تأثير هذه الخطوة على تماسك الحركة وموقف تيار الصقور منها، مضيفاً أنه برغم تأييده لها فإنه يخشى أن تترك ساحة الدعوة للسلفيين ومن لف لفَّهم. وأوضح أن ساعتها سيكون الضرر فيها أكثر من النفع، مضيفاً أنه يخشى أيضاً على مشروع ورسالة النهضة من الغوايات والفتن الكامنة في ثنايا الحزب وتطلعه المشروع إلى السلطة. وختم بقوله :" إذا تم تجاوز هذين الاعتبارَين بنجاح، فإننا سنكون بصدد تجربة تاريخية فريدة في نوعها".