من أغرب وأعجب ما سمعت فى حياتى.. وإن كان لا يستبعد فى هذه الأيام ما نشر فى صحيفة كبرى محترمة ورائجة فى 2/6/2010 على مسؤولية الناشر طبعاً عن اجتماع المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الوزير للاستعداد للمؤتمر الثقافى الكبير المنتظر.. إذن فالأمر كله ثقافة فى ثقافة على مستوى الصفوة الحاكمة التى تدير أمورنا الثقافية، وإن كان لا يشترط فى بعض الأحيان أن يكون الوزير من التكنوقراط فهو رجل سياسة فقط ولكن لابد أن يكون خبراء الوزارة على قدر من الثقافة يؤهلهم للقيادة الرشيدة التى كنا ولا نزال نتمناها. وإنى أستحلف القارئ أن يتأمل معى ما نشر على لسان معالى الوزير وهو حرفياً: «مهمتى انتهت.. ومؤتمر المثقفين يحدد مهمة من يأتى بعدى»، وهذا قول غير مفهوم إطلاقاً على أى مستوى. وهل قائله إن كان قال يجهل أننا دولة كبرى متقدمة وعريقة ولها دستور، وفيها نظام محترم يقضى بأن يقدم الوزير استقالته إلى رئيس الدولة؟ أم أن الوزير كان يقول هذا الكلام على أنه سر بينه وبين تابعيه يقوله على سبيل الدلال حتى يناشدوه البقاء إن لم يكن من أجله فمن أجلهم هم، فبينهم من قضى عشر سنوات فى المجلس الأعلى، ولما بلغ سن التقاعد أنشئ من أجله مجلس أعلى آخر، وبينهم من غرر به فلهث على بطنه إلى دولة أخرى وراء جائزة مشبوهة رفضها شرفاء إسبان، ولكن إنساناً مصرياً كريماً فى نفسه بعد سنه الكبيرة فتح جيوب كفنه ومد يده إلى موظف فى دولة شقيقة ليتناول جائزة لم يقدمها رئيس هذه الدولة ولهذا حديث آخر، وكان الله لك يا مصر يا أعظم دولة فى الشرق ولو كره الكافرون سواء من أبنائك أو من غيرهم. وفى الموضوع نفسه جاء على لسان الوزير وعلى مسؤولية الناشر طبعاً قوله حرفياً: «أسمع كلمة إصلاح ثقافى منذ أكثر من عشرين سنة ولم أفهم معناها»، كما قال أيضاً: «يجب ألا تكون الدعوة إلى المؤتمر مفتوحة حتى لا يسمح للغوغاء بحضور المؤتمر».. ولم يشرح الوزير طبعاً ماذا يقصد بالغوغاء من أبناء الشعب الذى يدفع الضرائب للدولة كلها. وقد نشرت الصحيفة المحترمة كلام المتحدثين حرفياً، وعلى مسؤوليتها طبعاً، ولكن جريدة أخرى كبيرة جدا تناولت الموضوع يوم الخميس 3/6/2010 بشكل عام، ولم تنشر تفاصيل كلام الوزير أو أعضاء المجلس ولكن الغريب أنها نشرت شكوى بعض الأعضاء من تدهور الوضع الثقافى، ونسيت الصحيفة أن جميع القراء يعرفون أن المسؤول عن هذا التدهور الحقيقى، أو المزعوم، هم أعضاء المجلس أنفسهم ومن البدهى أنه لا يمكن الإصلاح المنشود من الجميع إلا إذا حوسب المسؤول، وهذا مطلب جماهيرى عام لا يمكن إغفاله إذا كنا حقيقة نريد الإصلاح. والكارثة الصحفية الحقيقية وقعت فى صحيفتنا الكبرى التى نعتز بها يوم الأربعاء 2/6/2010، حيث قيل لأحدهم إنه يستطيع استثمار موقعه فى هذه الصحيفة ليخوض معركة الحوار الفكرى حول قضية نشر كتاب ألف ليلة وليلة، وهى قضية فكرية خلافية يمكن أن يدور حولها نقاش يستهدف كشف أبعاد الحقيقة فى حميمية إنسانية، لأن الخلاف وارد وهو لا يوغر الصدور ولا يقود إلى البغضاء، وفى نهاية الأمر يحسمه قضاؤنا العادل فهو الملاذ الأول والأخير، ولكن الوجه الكارثى البغيض أن يحاول أحدنا، لشىء فى نفسه، استغلال الصحيفة الرقيقة فى نشر كلام هابط فى تعبيرات وألفاظ ينبو عنها الذوق الرفيع، ويتمسح بالتراث باعثاً أبشع ما فيه من سقطات لا يمكن الجزم بصدقها حتى ولو جاءت فى بعض المراجع، وبلغت به الجرأة أن اقترب من بعض ألفاظ القرآن الكريم وهو يجهل أن القرآن السماوى المرجع يعلمنا منذ ألف وخمسمائة عام كيف نكون أسوياء، وكيف يعامل بعضنا البعض الآخر فى ترفع واحترام يرفعنا إلى المراتب العليا، وأنه فى العلاقات الجنسية مع أرق المخلوقات يسوق التعبير الرفيع جداً عن العلاقة فيقول سبحانه وتعالى للرجال (أو لامستم النساء)، ويلاحظ ما فى هذا التعبير من رقة وعذوبة وسمو يرتفع عن الألفاظ التى لوث بها صاحبنا صحيفتنا، ناسياً أن الصحيفة نقرؤها جميعا بما لنا من أبناء وبنات وأمهات ترتفع ثقافتهم وأذواقهم عن الألفاظ المتدنية التى استعملها، سامحه الله. ثم ما حاجتنا إلى ترديدها فى هذه الأيام؟! وليت الكبار فى الصحيفة يلتفتون إلى هذا الهراء مما يجعل أصحاب هذه الأخطاء يندمون عليها ولا يعودون إلى تكرارها، خاصة فى أكبر صحيفة فى مصر بلد الثقافة والحضارة الرفيعة القديمة والمعاصرة، بلد الأزهر الشريف والكنائس المتعددة ومجالس حقوق المرأة ووزارة الأسرة والسكان والحرص الشديد على مكانة الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، وقانا الله شر الثقافة المتدنية، جنسية كانت أو غير جنسية.