كانت زيارتى لبيروت فى مطلع أبريل خاطفة لأقل من مائة ساعة، ولكنى قضيت أغلبها مع وليد شميط، وهو من أصدقاء العمر الأعزاء حيث شاهدت على نحو خاطف أيضاً بيروت التى لم أرها منذ 1982، وكنت لا أطيق البعد عنها منذ 1969 بمعدل مرتين أو ثلاث كل سنة حتى 1975. إنها بالنسبة لى مدينة «الحرية» كما هى بالنسبة لأغلب المثقفين العرب. وقد دفعت ولاتزال، ثمن «الحرية» الغالى على كل الناس. ومن المفاجآت الكبرى فى رحلتى الخاطفة إلى بيروت مجلة «جسد» الفصلية التى تصدرها وترأس تحريرها الشاعرة والكاتبة جمانة حداد، وكان لابد من زيارة أكثر من مكتبة من مكتبات بيروت العامرة، واشتريت المجلة من إحدى هذه المكتبات. كنت قد قرأت عنها وعن «تحررها»، ولكن ليس من يقرأ عنها كالذى يقرؤها. إنها حدث فى تاريخ الثقافة العربية فى تناولها الراقى بالكلمة والصورة ل«الجنس» فى الحياة والآداب والفنون على نحو يكشف تماماً كل «المسكوت عنه»، ويدمر تماماً كل «المحرمات» الفارغة. إنها تثبت أن بيروت كانت وسوف تظل مدينة «الحرية» حقاً. وعندما دعتنى فنانة السينما اللبنانية والصديقة القديمة العزيزة جوسلين صعب لمشاهدة فيلمها الجديد «ما الذى يجرى هناك» فى عرض خاص فى إطار سوق مهرجان «كان» فى مايو الماضى، قرأت فى العناوين أنها كتبت السيناريو مع جمانة حداد التى لم أتشرف بلقائها شخصياً، فتفاءلت خيراً، ولكنى لم أكن أتصور أن يأتى الفيلم على ما رأيته عليه من إبداع. لقد أخرجت جوسلين صعب عشرات الأفلام من كل الأجناس والأطوال منذ نحو أربعة عقود، ولكن هذا فيلمها الأول الذى يأتى من القلب والعقل معاً ومن أعمق أعماق الروح ويعبر عن خلاصة تجربتها الطويلة فى الفن والحياة. تمرد كامل وصفاء مطلق وحرية لا حدود لها فى التعبير عن الحقيقة والخيال والصدق والكذب من خلال تداعيات كاتب فى بيروت 2010 يكتب رواية عن امرأة. قصة حب من دون حب، وقصة شهوة من دون جنس. ومن ناحية أخرى، هذا فيلم - وثيقة عن بيروت ليس له مثيل فى التعبير عن جمال المدينة التى تجمع بين العصور المختلفة، وفيلم - وثيقة ليس له مثيل فى التعبير عن جمال الطبيعة فى لبنان من البحر إلى الجبل ومن المدن إلى القرى. إنه قصيدة من الشعر السينمائى ما بعد الحداثى يجمع بين جودار وكلوجه وستراوب وسايبر برج إلى جرينا واى وغيرهم من صناع ما بعد الحداثة فى السينما، ولكن فى شكل لبنانى عربى صميم. وهكذا تنتزع الحرية من عنف الاستبداد. [email protected]