كانت فيروز تغنى: «بيقولوا الحب يقتل الوقت، ويقولوا الوقت يقتل الحب»، وكان يستمع إليها دون أن يعرف أنه على بعد خطوات من نفس السؤال! .......... زمان، فى تلك الأيام القلقة التى تلى مرحلة المراهقة، لم يعد يدرى ما عراه! أهو تدفق الهرمونات يلهب روحه؟، أم كان قلما ليد جبارة تكتب به أشعارها الغامضة؟ كل شىء تغير. فجأة تملكته مشاعر غامضة تلهمه بالحنين إلى شىء لا يعرفه. يتألم ولا يعرف لماذا يتألم، ويحب ولا يدرى من يحب! ويشعر برغبة حارقة فى البكاء. أقل نسمة هواء تؤذيه، وأشياء غامضة تحيره: لماذا صار يستنشق رائحة الليل فى وضح النهار! ويخالط نسيم الفجر الدخان وكأن قلبه يحترق! ولماذا يتعثر فى غموض الأنوثة بعد أن كانت الفتيات مادة صالحة للضرب! ما الذى جعله يعزف عن لعب الكرة، وقراءة القصص المصورة، ويُغيّر أفكاره فى اليوم والليلة عشرات المرات؟! بالأمس كان بحارا يكتشف جزر السندباد. أمس الأول كان مخترعا يحصل على جائزة نوبل. غدا سيكون شاعرا، يرسم للحب خرائط جديدة يهتدى من بعده العاشقون. ومن أين له أن يعلم أنه على بعد خطوات من هذا الشىء السحرى الذى يسمونه الحب الأول، يعرفه مع جارته فى المصيف. .......... الإسكندرية، شاطئ الحب والهوى، وهواء البحر يُطيّر قلبه وينفخ ملابسه، والسحب البيضاء تنقش رموزا فى قلب الليل تُومئ إلى قصته القادمة. نحيلة، رقيقة، ساحرة. بالنسبة له لم تكن مجرد فتاة، بل مظهر للكون الغامض، المُمعن فى غموضه، يحاول من خلالها أن يعثر على إجابات لأسئلة تحيره عن الحب والزمن!، إذا كنا نحب فلماذا نكبر؟ وإذا كنا نكبر فلماذا نحب؟. وإذا كان الحب يقتل الوقت فلماذا لا نستميت فى التمسك به؟ وإذا كان الوقت يقتل الحب فلماذا أيضا لا نستميت؟ وكيف يصمد الحب أمام جبروت الزمان؟ فى اللقاء الأول، أقبلت تحيى شقيقته بعد غياب صيف كامل، قطتان صغيرتان على مقاعد الحديقة الخوص الملونة، جلست على مقربة منه ولم يشعر بشىء سوى توق إلى الإصغاء! فى اللقاء الثانى جلست على المقعد المجاور، وحيّته بألفة صديق قديم. لم تكتب السحب القصيدة بوضوح، لكن نُذر الحب كانت واضحة. فى اللقاء الثالث، قرأ قصيدة السحاب. كانت السحب تكتب اسمها بوضوح كامل. كان على مقربة منها، ومن السر فى آن واحد. أوغل الليل وشَعر بنفسه تشف، وقلبه يفرغ ويمتلئ. وكلما رفع يده امتلأ كمه بالكواكب! كان يذوب فى أثير الليل الغامض، والنجوم تنحدر فى قلبه كاللآلئ. وكلما أمعن فى الصمت امتلأت روحه بالمعانى. ثم ذهبت، ولم تبق منها إلا ذكرى تتحدى الموت والسنين، وظلت فيروز تغنى للحب والوقت، وظل السؤال الحائر بلا إجابة مقنعة: «كيف يصمد الحب أمام جبروت الزمان؟».