حكايات «مصر العطشانة»

«مصر هبة النيل».. الكلمة التى أطلقها هيرودوت، أبوالتاريخ، دون أن يعرف أن البلاد التى كانت تشتكى «الفيضان» أصبحت على حواف «العطش». من الإسكندرية شمالا وحتى السويس شرقا إلى برج العرب غربا يتقاسم المواطنون مع الأراضى «هبة العطش». مواطنون يشربون من الترع والمصارف ويشترون المياه النظيفة، وأراض تبتلع الملح، ويأكلها البوار دون أن يتحرك أحد.
فى هذا الملف ترصد «المصرى اليوم» حكايات العطش، عطش الأرض التى ماتت من مياه الصرف الصحى والملوثات والأملاح، وعطش الإنسان الذى يعيش فى «هبة النيل» يفتش عن «بلة ريق». فى الملف، حكايات من أراضى أبوسمبل فى أسوان، الواقعة على مشارف أكبر بحيرة مياة عذبة صناعية فى العالم، حكايات عن «فوبيا التصحر» والعطش، الذى يكسب المعركة كل يوم مع أراض رواها الأهالى بالعرق والجهد، لكنها تحتاج إلى «شربة ماء» قبل أن تنضم لنادى الرمال.
فى الدلتا آلاف الأفدنة بارت، وأهالى جربوا كل شىء لوقف نزيف الأراضى، طلبات، شكاوى، اعتصامات، إضرابات، وحتى قطع الطريق العام دون جدوى. وفى الإسكندرية وبسبب تباعد مناوبات الرى لأكثر من شهر، يتوقف أحد أضخم المشاريع الزراعية لإنتاج بنجر السكر، وتتوقف معه أحلام شباب الخريجين، الذين جربوا حظهم فى مكافحة البوار دون جدوى. وفى البحيرة 500 فدان أخرى تحتضر بسبب الانخفاض الحاد فى مياه الرى.
لم يكن المواطن بعيدا عن «خريطة العطش العام»، ففى قنا وعلى بعد 4 كيلومترات فقط من «نهر الحياة» يضطر 5000 مواطن لشرب مياه مالحة وملوثة، «مياه الحكومة»، كما يقولون، تلك التى نشرت الفشل الكلوى، والتيفود بين المواطنين.
وفى السويس، صدق آلاف المواطنين مسرحية «التعمير» وذهبوا لتحقيق حلم غزو الصحراء، ليفيقوا على الحقيقة المرة، مساكن بلا مواسير مياه، وبيوت بلا نقطة ماء. فى السويس الماء أصبح عملة صعبة، والأهالى يعتبرونه «مجرد حلم جميل»، كما قالت إحدى المواطنات.