لو سمحت فَهِّمنا، من فضلك فَهِّمنا، «بليز» فَهِّمنا حتى لا نشعر بالجهل، فالشعور بالجهل شىء «يضايق» ولأن الاعتراف بالحق فضيلة، فأنا أعترف أمام القارئ بجهلى وعجزى عن فهم تصريحات وزير التنمية الاقتصادية، رئيس المجلس القومى للأجور، بشأن عدم موافقته على تحديد 1200 جنيه حداً أدنى للأجور. فالوزير يقول إن هناك خلطاً واضحاً لدى الناس بين مسألة تحديد الحد الأدنى للأجور وبين تحديد مستويات الأجور. حاولت أن أفهم هذا «الخلط» فلم أستطع، فالأمر على حد جهلى طبعاً لا «خلط» فيه، المطلوب هو تحديد حد أدنى للرواتب تم تقديره ب1200جنيه شهرياً بحكم محكمة، على اعتبار أن هذا المبلغ هو الحد الأدنى اللازم للمواطن حتى يستطيع تدبير طعامه وشرابه وسكنه وإعالة أسرته، فلا يسرق ولا يغش مضطراًَ، ولا يتسول مجبراً، ولكن لأن الحكومة أعلم فلابد أن هناك «خلطاً» ولكن جهلى يجعلنى أعجز عن فهمه، فالعيب فينا وف أهالينا، أما الحكومة يا عينى عليها.. وفى نفس السياق يصرح الوزير بأن 200 ألف فقط من الموظفين العاملين بالجهاز الإدارى للدولة والبالغ عددهم 6 ملايين موظف يتقاضون أقل من 400 جنيه، لماذا لم يذكر الوزير عدد الذين يحصلون على أقل من 1200 جنيه على اعتبار أن هذا الرقم هو الرقم المختلَف حوله؟ لماذا 400 جنيه بالذات؟ لابد أن هناك سبباً وجيهاً أجهله، المهم يقر الوزير أيضاً أن المجلس القومى للأجور الذى يرأسه هو المسؤول عن تحديد مستويات الأجور فى القطاع الخاص، ويقول «إن إلزام أصحاب الأعمال بزيادة متوسط الأجور سوف يؤدى إلى تحميل فارق التكلفة على أثمان السلع، ومن ثم حدوث زيادة» مركبة «فى أسعارها تؤدى فى النهاية إلى حدوث تضخم». عند هذا الحد شعرت بعجزى التام عن الفهم، مال كل ذلك بتحديد حد أدنى مناسب للأجور، حد يوفر أدنى متطلبات المعيشة البسيطة من طعام وشراب وسكن وكساء؟ ثم أن إلزام القطاع الخاص بحد أدنى للأجور مع وجود احتمال حدوث تضخم أفضل من عدم تحديد حد أدنى للأجور مع احتمال حدوث انفجار.. على أى حال، هم المتخصصون وهم أدرى فالعلم «نور»، والجهل «يضايق»، والذى زاد الطين بلة أن مستشار منظمة العمل د. سمير رضوان جاء يؤكد كلام الوزير ويضيف أن «الخلط» بين الحد الأدنى للأجور و«مستوى الأجور» هو الذى يسبب البلبلة بين الجماهير، يا ربى، «خلط» و«بلبلة» بين «حد أدنى» و«مستوى»، يبدو أن المسألة مش سهلة.. أعيد قراءة التصريحات لعل ربنا يفتحها علىَّ وأفهم، يقول سيادة المستشار إن تقديره لما يجب أن يكون عليه الحد الأدنى للأجور هو «656» جنيهاً شهرياً، تم احتسابه على أساس 2 دولار قوى شرائية يومياً، الذى يساوى خط الفقر، ويضيف سيادته أن سبب «الخلط» لدى من يُقدِّرون الحد الأدنى للأجور ب1200 جنيه شهرياً هو احتسابهم الدولار بقيمته السوقية، بينما الأساس الصحيح هو احتسابه بالقوى الشرائية التى تساوى 4.02 جنيه للدولار الواحد، عند هذا الحد تأكدت من أن شعورى بالجهل قد تحول إلى شعور «بالغباء» وأن الضيق الذى انتابنى نتيجة شعور «الجهل» قد تحول إلى «إحباط» نتيجة الشعور بالغباء، لذلك قررت أن أناشد الوزارة الذكية أن تتحمل جهلنا وغباءنا وتشرح لنا على قدر فهمنا وبطريقة مبسطة أسباب رفضها وامتناعها عن تحديد حد أدنى للأجور بواقع 1200 جنيه طبقاً لحكم المحكمة دون «خلط» أو «بلبلة»، سواء كان ذلك للعاملين فى الجهاز الإدارى لها، عن طريق توفير هذا الفارق من تقليل مكافآت المستشارين وحوافز كبار الموظفين، ومن المصاريف الأخرى نثرية وغير نثرية، أو كان ذلك للعاملين بالقطاع الخاص، بإلزام أصحاب الأعمال به حتى لو تسبب ذلك فى زيادة أسعار السلع على اعتبار أن هذه السلع سوف تخضع فى النهاية لقانون العرض والطلب، وأنا أعتقد – ربما عن جهل – أن تحديد الحد الأدنى المناسب للأجور- دون الخوض فى «الخلط» مع مستواها - هو دور من أدوار الدولة، مثله مثل ضمان جودة التعليم، وتوفير الرعاية الصحية للمواطنين، وإرساء القيم والأخلاق الحميدة فى المجتمع، وإعلاء القانون فوق كل الرؤوس، سواء كان المجتمع اشتراكيًا أو رأسمالياً أو حتى شيوعياً.