هل تصدق أن بين الصم والبكم من يستطيع أن يكتشف حالتك النفسية والمزاجية من نظرة عينيك؟!.. نعم فبالرغم من أنهم يتحدثون بلغة الصمت بعيدا عن عالم الضجيج، فإن الله سبحانه وتعالى قد عوضهم بقدرات خاصة ونسبة ذكاء عالية جدا، إضافة إلى التركيز وقوة الملاحظة والإحساس القوى. إنهم ليسوا معاقين بل على العكس تماما، فمنهم المبدعون وأصحاب عقول ذكية، حساسون للغاية، وينجرحون من أقل شىء ولكنهم يكرهون من ينبذهم ولا يعترف بحقهم فى الحياة وسط الأسوياء. تلك الفئة أصبحت لها اليوم مدارس ومعاهد ومطاعم وكافيهات ونواد خاصة بهم فى القاهرة والإسكندرية ومحافظات أخرى، ولهم محامون مختصون فى الدفاع عنهم إذا تعرضوا لمشكلات قانونية، ورغم ذلك كله فإنها فئة تحيطها الأسرار.. يجدون أنفسهم فى معزل عن «مجتمع الأسوياء»، وينتظرون فرصة حقيقية للتعايش بعيدا عن نظرات العطف والرحمة والشفقة التى يمقتونها بشدة. صفاء 35 سنة «صماء بكماء» تتحدث بلغة الإشارة، عندما أخبرتها والدتها برغبتى فى التحدث معها، تنهدت من أعماقها وهى تروى تجربتها مع زوجها الذى طمع فى ميراثها من والدها وأبدى حبه لها وعدم اهتمامه بحالتها المرضية، وأنه أحب قلبها وعقلها وقالت «إنه بعد شهرين من زواجهما استولى على حقها فى الميراث وعندما علم بحملها قام بضربها ضربا مبرحا حتى أجهضها ثم قام بتطليقها وطردها من بيتها وقال لها لن أكمل حياتى فى صمت القبور معك ولا أريد أن أنجب أطفالا (خرس وطرش) فعادت لتعيش مع والدتها مرة أخرى». شقيقتها هناء «30 سنة»، علقت بالقول بلغة الإشارة: «إن الأسوياء لا يقبلون فى الغالب زوجات فى مثل حالتى أنا وصفاء فنحن نرغى ونثرثر فى صمت دون أن يشعر بنا أحد، لذلك لم أغامر وأتقرب من شاب طبيعى فبعد إنهاء دراستى جمعتنى قصة حب مع زميل لى بمعهد الصم والبكم وتزوجنا بعد أن جمعتنا لغة القلوب والإحساس التى أصبحت عندنا أهم من لغة الشفاه والإشارة». وتؤكد الدكتورة نيرفانا السيد عوض، أستاذ التخاطب بكلية الطب جامعة عين شمس، أنه لا يجب عزل الصم والبكم عن باقى المجتمع ولا يجب تخصيص أماكن مقصورة عليهم بل يجب دمجهم مع الأسوياء وكذلك دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة فى المدارس العادية. ولا يجب معاملتهم كمعاقين فالأصم ليس لديه مشاكل ذهنية تمنعه من العمل أو الزواج أو إنجاب أطفال أسوياء. وأضافت: «ليس بالضرورة تعلم لغة الإشارة للتواصل معهم فالأصم مثلا يمكنه تعلم التخاطب والتحدث مع الطبيعيين كما أن لغة الإشارة تعزلهم عن الآخرين، كذلك يجب تعليم المجتمع التعامل معهم وعدم تجنبهم، خاصة أن تلك الأمراض نفسية وليست معدية وأن نعلم أبناءنا بوجود أشخاص أضعف يحتاجون الرعاية والحب والتعاون والصداقة وبالتالى نقلل العزلة والعنف عندهم». الصم والبكم جزء من نسيج المجتمع ولا يجوز عزلهم ويجب دراسة إمكانياتهم، لنكتشف أصحاب الكفاءات من بينهم وتطوير إمكانياتهم وفقا لاحتياجات سوق العمل، فضلا عن أن طاقتهم الإنتاجية مرتفعة ولا يملون بسهولة ولديهم صبر وطاعة عمياء لموجبات عملهم. تتفق معها فى الرأى الدكتورة أمينة بدوى، أستاذ علم النفس جامعة بنها، وتقول: «أرفض وجود أماكن مخصصة لفئات محددة سواء الصم والبكم أو غيرهما، ومن الأفضل دراسة ميول ومواهب تلك الفئات ودمجها مع نظائرهم الطبيعيين دون تفرقة، فكل شخص له حق الاحترام وليس له دخل فى أى إعاقة تحدث له.. وكم من معاق تحدى إعاقته وأثبت نجاحا وتميزا فى مجال إبداعه وكم من شخص سليم ومعاق فى تفكيره وأدائه، ويجب المساواة بين الناس وفقا لأدائهم وعدم الحكم بالمظهر من الوهلة الأولى».