أعرف حزباً كان مهماً تأسس بسبب مزحة، وأصل برنامجه الانتخابى كان «نصباية» أراد بها صحفى شاب وقتها أن يخرج من رئيس المؤسسة الخاصة التى يعمل فيها بقرشين يساعدوه على سداد قسط الشقة، والحقيقة أن صاحبنا أقنع رئيس المؤسسة بأنه زعيم ويستحق أن يكون صاحب حزب سياسى، وعدَّد له مزايا ذلك، سواء من الناحية المادية أو السياسية، أو حتى البريستيج العام. دخل صاحبنا على موقع أحد الأحزاب الألمانية الوسيطة، وطبع برنامجها وعكف مع اثنين من زملائه على ترجمته وتمصيره، ثم باعوه للرجل، الذى دخل به صفقة «تخليص حق» مع نائب برلمانى كان يطمح فى تأسيس حزب، فأخذ البرنامج مقابل التنازل عن شيكات لدى رئيس المؤسسة القبرصية، وأسس به حزباً كان مهماً، وعول عليه كثيرون فى الداخل والخارج، وأثار جدلاً كبيراً قبل أن ينطفئ مع زعيمه. وأعرف أيضاً زعيم حزب حالى بدأ حياته مدرساً فى إحدى مدن الدلتا، وانضم لحزب غير الذى أسسه قبل سنوات مع زعيم كبير ومجاهد منذ العهد الملكى، وتبنى الزعيم الكبير المدرس، وقربه من مجالسه، وفى أحد مواسم الحج عينه الزعيم مسؤولاً عن بعثة الحج التى كان ينظمها الحزب، وفى الأراضى المقدسة اختفت أموال البعثة، وكانت حسبة «محترمة» بالدولارات فى ثمانينيات القرن الماضى، وادعى الرجل وقتها أن وزير الداخلية الذى كان يعارضه حزبه ويشن عليه هجوماً واسعاً فى صحيفته، أرسل إليه من ضربوه وأخذوا منه حقيبة الأموال. وبعد أن أسس الرجل «الخميرة» فتح قنوات اتصال مع ضابط بجهاز أمنى مسؤول عن الأحزاب السياسية مرت السنوات وصار الاثنان نائبين وزميلين فى البرلمان ولما دخل الحزب العريق فى نفق التجميد والصراعات الداخلية، نأى بحزب خاص به وحصل على رخصة لجنة الأحزاب فوراً، ومن الجلسة الأولى. وأعرف كذلك زعيم حزب حالى «متنازع عليه» ورجل يطرح نفسه باعتباره بديلاً صالحاً للرئاسة، كان يعمل «فيروس أحزاب» والمعنى سأشرحه لك فى تفاصيل القصة، سعى الرجل حين كان نائباً أن يكون له حزب خاص، بعد أن سدت أمامه السبل فى تزعم حزب الباشوات العريق، حاول الدخول فى شراكات مع زعماء أحزاب وفشل، حاول شراء أحزاب من بابها وفشل، لكن هناك فى النظام من وعده بحزب خاص «جديد لانج» مقابل خدمات محددة فى تفجير الأحزاب المغضوب عليها. لى صديق كان يعمل مخرجاً صحفياً اتصل به هذا الزعيم ذات ليلة وطلب منه الحضور فوراً، لأنه يريد أن يصدر جريدة خلال 3 ساعات، ذهب الرجل وبذل جهده، ولاحظ أن الزعيم كان يتلقى اتصالات من شخصيات مهمة جداً فى الحزب الوطنى وجهاز الأمن تطمئن على الجريدة على غير المعتاد. وفى الصباح فوجئ أن الجريدة التى قضى ليلتها فى إخراجها هى نسخة ثانية من جريدة حزب معارض، وأن النائب يقود انشقاقاً داخل هذا الحزب انتهى بتجميده، قبل أن يعلن عن تأسيس حزبه، الذى لم يستمر سنوات قليلة حتى أحضر له النظام من جمد له حزبه بالطريقة نفسها ليذيقه من نفس الكأس. لا تتعجب هذه هى السياسة فى مصر.. وهذه هى التجربة الحزبية، وهؤلاء هم فرسان المعارضة الذين يختارهم لك النظام بنفسه! [email protected]