لماذا نترك الناس حتى تكفر وتطلع من هدومها، ولا يبقى أمامها غير قطع الطرق؟.. من أول الزراعى، مروراً بالدولى الساحلى، وانتهاء بالدائرى.. لماذا أصبح المصريون من الشعوب التى تقطع الطرق؟.. هل هذه هى المرحلة التى تسبق حدثاً كبيراً؟.. وهل التعبير بهذه الطريقة يعكس حالة غياب الدولة والبرلمان؟.. وهل يعنى أن كل القوانين، والقرارات الإدارية، تصدر بعيداً عن أصحاب المصلحة الحقيقيين؟.. أخيراً لماذا كل الطرق تؤدى لقطع الدائرى؟! فى تراثنا القديم، آخر الدواء الكى.. وفى تراثنا الحديث، آخر الدواء قطع الدائرى.. هكذا تحول قطع الطرق إلى ظاهرة.. وهكذا أصبح هو الوسيلة الأخيرة، حتى تستجيب الحكومة فى كل مرة.. صحيح لم يحدث نهب ولا سرقة ولا تحطيم سيارات حتى الآن.. ولكنها قد تكون الخطوة القادمة.. فماذا ننتظر حتى نتحرك، وماذا ننتظر حتى نشعر أننا فى دولة مدنية، تعلى قيمة المشاركة فى صنع القرار.. وليس دولة بوليسية، يحكمها الحديد والنار؟! لا أجد تفسيراً واضحاً لدى الحكومة، غير أنها تغيظ الناس.. إذا قالوا «يمين» قالت «شمال».. وهناك شواهد عديدة لهذه الحالة.. أولها ما حدث فى نقابة المحامين لتعديل قانون المحاماة.. وثانيها ما حدث فى جزيرة محمد وطناش، فقابل المواطنون طناش الحكومة بثورة فى طناش.. ثالثها ما حدث فى دائرة حلوان 24، فأدى ذلك إلى إضراب النائب مصطفى بكرى.. المعنى الوحيد أن الحكومة لم تستمع لأحد.. وهنا ثار المحامون، وأضرب النائب عن الطعام، وقطع أبناء طناش الدائرى! الغريب أن كل الحالات السابقة قوبلت بطناش رسمى.. مع أن المتضررين فى كل حالة استنفدوا وسائلهم المشروعة، وأبلغوا الأجهزة المختصة، وشرحوا أسباب رفضهم.. لكنهم لم يجدوا آذاناً تسمع لهم.. وكانت الحكومة آخر طناش، فلم تقدم حلاً.. ولم تعقد جلسات استماع.. ولم يظهر أن هناك نواباً أو ممثلين للمواطنين.. لا فى المجالس المحلية ولا فى البرلمان.. واكتشفوا أن القرارات التى صدرت كانت قضاء وقدراً.. سواء بالنسبة لتقسيم الدوائر، أو التقسيم الإدارى، أو حتى قانون تعديل المحاماة.. فلماذا كان البرلمان، ولماذا كانت الحكومة؟! النتيجة أننا تحولنا إلى شعب ما قبل الحكومات.. هذا هو حالنا الآن.. فكان الحل عند الحكومة تحريك جيوش الأمن المركزى لتأديب المحتجين.. مرة بالقنابل المسيلة للدموع، وأخرى بإصدار أوامر وقرارات الاعتقال، أو بهما معاً.. شىء يدعو إلى الحزن.. فلو كانت هناك محليات ما حدثت هذه الاحتجاجات.. ولو كان هناك برلمان ما صدرت قرارات تثير الاحتجاج.. إما أن ممثلى الشعب قد استوعبوا احتياجات المواطنين، وإما أنهم شرحوا لهم أبعاد هذه القرارات، وفكوا ألغازها.. أو كانت الحكومة جاهزة لتلبية رغبات المواطنين.. ولا شىء غير هذه الاحتمالات! أخيراً.. إضراب مصطفى بكرى لا يختلف كثيراً عن قطع الدائرى، ولا يختلف أيضاً عن احتجاج المحامين.. وقد يلجأ المحامون، يوماً، إلى قطع شارع رمسيس الشهير.. فالمعنى خطير حين يضرب النائب عن الطعام.. معناه أنه لا يمثل نفسه كنائب.. ومعناه أنه لم يشارك فى قانون تقسيم الدوائر.. ومعناه، وهو الأهم، أنه استنفد كل الوسائل قبل الإضراب، فلم يسمع له أحد.. وكانت الحكومة كعادتها آخر طناش، فأضرب النائب، وثار المحامون، وقامت قيامة جزيرة محمد وطناش.. للأسف، كل الطرق فى مصر تؤدى إلى قطع الدائرى!!