(قلت للشبح فى فضول) إنت قلت إن الميزة الأولى لك - لو رشحناك رئيس للجمهورية- إنك مش حتتخدع فى المنافقين لأنك شايفهم وكاشفهم، طيب إيه الميزة التانية يا شبح؟.. (قال الشبح فى حنين) إنى عارف قيمة الجوهرة اللى اسمها مصر أكتر من أى واحد فيكم.. (قلت ساخرا) جوهرة فى الوحل!.. (قال فى غضب شديد) اسكت. قطع لسان اللى يقول كده. (ثم اغرورقت عيناه بالدموع، وهتف) مصر حتفضل غالية عليا! فى البداية هممت أن أتمادى فى المزاح وقد خُيل إلى أنه يمزح، لكننى حين شاهدت دموعه المنهمرة وملامحه الحزينة أدركت على الفور أنه صادق، جاد فى عواطفه الوطنية. انتابتنى قشعريرة وقد فطنت إلى حقيقة مروعة: لقد صرنا غير مستعدين أن نصدق من يعلن حبه لمصر، إما أنه يمزح أو أنه (يشتغلنا). (قلت له فى خشوع) ياه، بتحب مصر للدرجة دى!.. (قال فى بساطة) طبعا مش بلدى! (ثم فى جدية) حب الوطن موضوع يطول الحديث فى أسبابه، وإن كان يكفيك سبب واحد: هو ده المكان الوحيد فى العالم اللى لعبت فيه – فى غفلة الطفولة- من أول ما تصحى لغاية ما تنام، وهو برضه المكان الوحيد اللى يرضيك تدفن فيه. (قلت محاولا استفزازه) هل تعتقد أن رجال النظام الحالى يحبون مصر؟.. (قال فى وضوح) من نكد الزمان أن يتولى أمثال هؤلاء قيادة بلد فى عبقرية جغرافيا وعظمة تاريخ مصر.. (فغرت فمى فى دهشة) ياه!، ده إنت بتقول كلام كبير أوى. (قال الشبح فى حزن) تقدر تفسر لى ليه كل القادة الاستراتيجيين فى العالم كانت مصر نصب أعينهم! الإسكندر الأكبر، بونابرت، والإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس. أنا اتولدت سنة 1750، وشفت مصر على مدى قرنين ونصف القرن، وأؤكد لك أنها تستحق أن تكون أفضل من كده بكتير. أنتم تمتلكون كل مقومات الحياة الكريمة: جو معتدل، طبيعة صديقة، إرث حضارى، جينات رائعة، تراكم ثقافى، أنا لو حاولت أحصى عدد الموهوبين فى مصر مش حاعرف: علماء وأدباء وفنانون. ثروة مش موجودة فى أى بلد. كلهم جاءوا فى ظروف معاكسة. تخيل لو كان الجو المحيط بيساعدهم ويبرز مواهبهم!.. (قلت وقد اعتصرتنى الحسرة) كانت مصر بقت جنة.. (قال فى ثقة) المصرى يروح الخليج يطلع ابنه الأول، يروح أمريكا يتفوق وينبغ، تقدر تفسر كده غير إن معدن المصرى أصيل؟ (سألته فى فضول) طب إيه تفسيرك للضياع اللى إحنا فيه دلوقت؟.. (قال الشبح فى هدوء) تفسيرى إن اللى ماسكين البلد بيتصرفوا فيها وكإنهم سارقينها. وياريتهم بيبيعوها بتمنها!، دول عاملين زى اللى سرق جوهرة تمنها مليون جنيه ورايحين يبيعوها بخمسين جنيه.