أنا مغرمة بالفضة القديمة، وهى قطع فريدة من المشغولات اليدوية البدوية التى يتعرف عليها عشاقها من النظرة الأولى.. وروعة مشغولات الفضة القديمة أننا لا نجد أبدا منها قطعتين متكررتين، إنها حالات متفردة مصنوعة يدويا بعفوية وفطرية لاتعرف الكتالوجات المسبقة، ولا قواعد التصميم والتصنيع الآلى، لذا فهى أقرب إلى الذات الإنسانية، تشبه غيرها فى أنها فضة، وتختلف فى روحها وشخصيتها وبصماتها. وبالرغم من أننى أمتلك عددا من تحف الفضة القديمة أعتبره ثروة نادرة، إلا أن وجودى فى الأقصر دفعنى للبحث عن كنوز الفضة القديمة فربما أعثر على شىء يبهرنى، ويشعرنى بالتميز والتفرد، واقتناء ما يعبر عن شخصيتى بصرف النظر عن قيمته السعرية فى السوق. وحدثت صديقتى الأقصرية الجميلة رانيا عبدالعاطى عن رغبتى، فقالت على الفور، لابد من الحاج إبراهيم زوتس، وقلت لها: من هو ابراهيم زوتس؟.. هل هو تاجر فضة؟، فقالت: لا.. لكنه يعرف الكثير، وفى المساء تعرفت على زوتس عمدة الأقصر الشعبى، والخبير بكل شؤونها وناسها، يمشى فى الشوارع فيتلقى التحية من الجميع ويسلم على الجميع ملقيا بأسئلة تفصيلية عن الآباء والأنجال بالاسم. وفى الطريق إلى أول محل اصطحبنى إليه الحاج زوتس انشغل خيالى بتصميم واضح لعقد مزين بالفيروز، لا أعرف من أين أتت صورته بكل هذا التفصيل، وفى المحل المنشود توقفت أمام ثلاثة طرز شبيهة بالتصميم الذى شغل بالى، الأول مزين بالفيروز الطبيعى ولكنه لم يعجبنى، فقد أعجبنى الثانى أكثر، لكنه كان مزينا بأحجار صناعية حمراء قللت من عفويته، وتوقفت أمام الثالث الخالى من أى حجارة، لكن شيئا ما كان يفصلنى عنه. أعربت للتاجر عن حيرتى فكل منهم فيه شىء مما أريد وليس كل ما أريد، فابتسم التاجر وقال: خذيهم الثلاثة ياأستاذة وهنعمل لك خصم كويس، وبالفعل عرض على سعرا معقولا جدا، إلا أننى ترددت فى قرار الشراء، وبدت لى القطع الثلاث تكرارات بعيدة عن الأصل ومتعالية على عفوية «الهاند ميد»، وسألت نفسى: هل أقبل المتاح أم أنتظر الخيال؟، ولم أفكر طويلا فى الإجابة لأننى كنت أسعى لتحقيق أحلام داعبت خيالى، وليس مجرد إشباع رغبة الشراء والاقتناء لمجرد أن أتحول إلى فاترينة عرض مجوهرات ثمينة تذكرت لقائى بمصممة الفضة البريطانية كارين، وكيف أنها دخلت مجال تصميم الفضة من خلال الانتصار لخيالها، فقد بدأت بالاقتناء، حيث كانت تشترى الأحجار والقطع الفضية القديمة من أى بلد تزورها، لكنها لم تكن تعجبها كما هى عليه، لأنها كانت تراها بتصميم مختلف، فبدأت تفكها وتعيد ترتيبها وتركيبها، طبقا لما تراه فى خيالها، ووجدت إعجابا أكثر من صديقاتها، والأهم أنها بدأت تشعر بحميمية اكثر مع القطع التى أعادت تصميمها وفق خيالها، وقالت لى «شعرت أنها منى وليست ملكى، وهكذا أضفت إلى تصميماتى نوعا من الحب والانتماء، وصرت بهذا مصممة ناجحة ومتميزة. الاختيار إذن ليس مفاضلة بين غالى ورخيص، لكنه إجابة على سؤال أيهما أقرب إلى أحلامنا وخيالنا، أيهما يلائمنا ويسعدنا، لهذا قررت أن أتمسك بالصورة المطبوعة فى خيالى، فربما أجد تحفتى المفقودة (أو المنشودة) كما أحبها وأتمناها وأراها، وإذا لم أجدها لدى الآخرين، فلست أقل من كارين، وما على إلا أن أفعل مثلها وأسعى لتجسيد خيالى وتحقيق اختيارى بنفسى، فالاختيار ليس دائما بين أشياء موجودة، لكننا قد نختار المستحيل وما علينا إلا نؤمن بأننا قادرون على صنعه حتى نجده بالفعل، وأنا واثقة تماما من أننى قادرة على ذلك لأننى امتلكت الطريق، فانتظرونى عند ناصية المستحيل.