ظننت - وبعض الظن إثم - أننى سأجد فى واحة سيوة ضالتى من الأزياء التراثية المبهرة، والمشغولات الفضية الآسرة التى تتناقلها الكتب والإصدارات فى صور غاية فى الجمال والبهاء، والمدهش أننا كنا محملين بقناعة أن شراء ثوب سيوى نرتديه مرة واحدة فى السنة فى مناسبة ما يمكن أن ندفع فيه أزيد من ألف جنيه ! وأن شراء قطعة فضة من الطراز السيوى يمكن أن ندفع فيها نفس المبلغ ! وهذا أمر لا يتكرر كثيرًا! لكن الغريب أننا لم نجد شيئا من هذا أو ذاك إلا القليل وأقل ما يوصف به أنه ردىء ودون المستوى، والأهم أنه ينذر بأن هناك حالة من التفريط فى التراث السيوى القيّم الذى يمكن أن يكون مصدر دخل رائعا للمواطن السيوى، بل إذا فكرنا جيدًا وتكاتفنا سيصبح مصدر دخل قوميا ؟ كيف ؟! فى السطور القليلة القادمة سأحاول تقديم خطة عمل للنهوض بهذا التراث الذى لا يقدر بثمن. فى أول النهار تتسرب أشعة الشمس المخملية عبر التلال والهضاب الساحرة ذات اللون الأحمر فتنعكس ظلالاً نائمة للنخيل وأغصان الزيتون وأفرع الجريد لتوحى للفنان بصياغة أروع الرسومات للبيئة المحيطة سجلها أقدم وأمهر صائغ للفضة عرفته واحة سيوة فى نهاية القرن التاسع عشر وتوفى فى منتصف القرن العشرين إنه (سنوسى دادومى) أو (جاب جاب) كما أطلقوا عليه أهل سيوة والذى أبدع تصميمات من البيئة تتباهى بها كل فتاة كشبكة، ومن البيئة أيضًا حاكت الأمهات والجدات غرزاً تحاكى البيئة لتتزين العروس فى جهازها وليلة فرحها بالشال السيوى المميز (الرقعة) والثوب السيوى المزين بغرز مختلفة تحمل اسمها باللغة الأمازيغية (لهجة أهل سيوة ولغة بعض قبائل المشرق العربى) وألوان الخيوط التى يتم العمل بها هى الأحمر والأصفر والبرتقالى والأخضر والأسود وهى ألوان البلح فى مراحله المختلفة، أما أسماء الغرز فهى (شيكوبك) أى عادية، (شقلوبى) أى مقلوبة (تسميكة) أى سمكة، (جرديل) أى جردل، (فناجيل) غرزة مفتوحة تشبة الفنجان، (تفتوتش) أى جريد، (أجبار) أى نخلة، لكى توضع كل الأثواب السيوية فى الصندوق الخشبى الذى تذهب به العروس ويشابه دولابها وتتعدد الأثواب السيوية وفقًا لمكانة أهلها وقبيلتها، ولا يقل بأى حال عن (001) ثوب لكل مناسبة ثوبها بخلاف الأثواب التى ترتديها فى الفرح وتغيرها كل نصف ساعة أو ساعة على الأكثر. أما الفضة فكانت فيما مضى المعدن المعترف به فى شبكة العروس الآن للأسف حل الذهب بتصميماته العادية المتكررة محل الفضة بتصميماتها القيمة لكونها قطعة مشغولة بالكامل يدويًا وبيد فنانين مميزين، المشكلة لا تكمن فقط فى الاتجاه فى الشبكة إلى الذهب عوضًا على الفضة لكن كون هذه الأعمال الإبداعية عالية القيمة اندثرت، فى حين أن هذه الحرفة ممكن أن تدر دخلاً كبيرًا على المواطن السيوى الذى يتضح للعيان أن دخله متدنٍ لدرجة كبيرة.. وتطرح الأسئلة نفسها فنجد السؤال الأول كيف يتم الحفاظ على هذا التراث الفنى من الاندثار وإضفاء روح المعاصرة عليه لكى يسهل تسويقه ورواجه؟ والسؤال الثانى، وهو الأهم كيف يتم تسويق هذا التراث الفنى من الحُلى الفضية والغرز اليدوية للتراث السيوى فى مصر والعالم كله؟! السؤالان أصبحا هاجسا يشغلنى فنقلت هواجسى لواحدة من أهلها الدكتورة سليمة عبد الرحمن مقرر المجلس القومى للمرأة والتى أكدت لى هواجسى وقالت: للأسف الشديد الحرف البيئية المميزة لسيوة فى اندثار، وللأسف أن هناك تمويلا يأتى للحفاظ عليها ولكن بعد انتهاء المنحة ينتهى كل شيء، فقد تم إنشاء مركز المشغولات البيئية الحرفية وبذلت السفيرة فايزة أبو النجا جهودا رائعة وقدمت وزارة التعاون الدولى منحة قدرها أربعة ملايين جنيه لإحياء أشغال الفضة والجريد والسجاد والتطريز السيوى بالمركز، وقد كان من قبل المركز تعاون بين وزارة الصناعة ووزارة التعاون الدولى والسفارة الإيطالية وتم فى مايو 5002 عرض المنتجات بمنطقة الأهرامات فى (فاشون شو) رائع لما تم إنتاجه بيد البنات السيويات وحضر العرض وزير الثقافة، وتضيف د. سليمة: لكى يعود شغل الفضة لمكانته لابد أن يكون هناك إيمان بالفكرة لأننا ببساطة سنجد الأجيال الكبيرة اندثرت، والموضوع يكمن فى السيدات فهن قوة لا يستهان بها ومكان صغير وسط البيوت تأتى له السيدات والبنات ويتدربن باستمرار ونمدهن بالخامات. فنانة الحُلى والمجوهرات زينب خليفة التى لها ثقلها وخبرتها الطويلة فى المجال تناقشت معها عن إمكانية سفرها هناك وإعطاء خبراتها للسيدات الراغبات فى ذلك أكدت موافقتها واستعدادها لمدهن بخبراتها لجعل هذه القطع تمزج بين التراث والمعاصرة، والأهم إمكانية أن تعرض منتجاتهن لتسوقها لهن، وفى رأيى أن التسويق عنصر مهم جدًا حتى يشعر المتدرب بالعائد المادى وتحسين دخله. ذهبت فى نقاش مع دكتورة وهاد سمير بأكاديمة الفن والتصميم المعهد العالى للفنون التطبيقية والتى لها تجربة إيجابية مشابهة فى التصميم والإشراف على قسم الحُلى بمركز الحرف التقليدية بالفسطاط، وكعادتها وجدتها إيجابية ومتحمسة فى السفر إلى هناك ومساعدة أهل سيوة فى اكتساب مصدر دخل طوال العام لأنه كما قالت لى د. وهاد إذا ساهمت وزارة الثقافة فى الفكرة فإنها يمكن أن تسوق لهم منتجاتهم فى محلات الأمير تشارليز بلندن. كما ذكرت لكم أننا لم نجد ثوبا به من الجودة لكى ندفع فيه ولكن حين توجهنا إلى فندق (أندريا ميلان) أو جعفر والتى يملكها السكندرى د. منير نعمة الله وجدنا تجربة رائعة للسيدة ليلى نعمة الله فى مجال المشغولات اليدوية السيوية والفضة، حيث إنها دربت مجموعة من الفتيات وأصبحت على دراية تامة بقدرات كل فتاة وترسل لهن الخيوط والقطع الحديثة التى تريد أن تطرزها ويتم تنفيذها على أعلى جودة وتتم مراجعة جودة الأداء وتباع للسياح فى القرية بأسعار سياحية.. هذه تجربة تستحق التأمل.