كلما تقع عينى على تحقيق صحفى فى أى صحيفة ويكون منصفا لرأى فى غيبة الرأى الآخر.. أشعر بالتخلف المهنى الذى أصاب مهنة الصحافة وأترحم على أساتذتنا العمالقة الذين علمونا احترامنا للقلم.. علمونا ألا نساند طرفا على حساب طرف آخر فى غيبته، حتى تكتسب الصحيفة احترام القارئ.. وهذه الظاهرة للأسف تجدها فى صحف محدودة لم تصل إلى مستوى الصحف العريقة التى تتميز عن غيرها بوجود مدارس صحفية فيها. منذ أيام تابعت قضية الخلاف بين الاستشارى الهندسى المعروف الدكتور ممدوح حمزة وبين اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان، وفى رأيى أن هذا المحافظ هو دم جديد بين المحافظين بعد أن نقل مكتبه إلى قلب الشارع ليعايش المواطنين وقضاياهم.. فقد عرفته عندما كنت فى زيارة قصيرة إلى مدينة أسوان.. وبالمناسبة لم أكن ضيفا على أحد.. وفاتورة إقامتى بفندق موفنبيك تشهد على ذلك.. يعنى كلامى عن هذا الرجل لن يكون كلام مجاملة أو كلام ضيف. سمعت فى أسوان أن الرجل فى بداية أيامه كان يركب الحنطور ويتعرف على مشاكل محافظته من سائق الحنطور.. وكثيرا ما كان يجلس على المقاهى.. وهو المحافظ الوحيد الذى انتزع من أصحاب المقاهى وعدا بعدم تدخين الشيشة أيام أنفلونزا الخنازير وكان كلامهم معه التزاما وليس قرارا.. وهذه دلالة على أن محافظ أسوان محبوب بين أهل محافظته. من هنا تعجبت لما تطرحه بعض الأقلام وهى تشير إلى معارك للركب بين هذا الرجل وبين الاستشارى العظيم الدكتور ممدوح حمزة.. فى حين أنه لا يجوز أن يتبرع استشارى فى مكانة حمزة بوقته وعلمه للإشراف على بناء مشروع خيرى لمنكوبى السيول فى أسوان ثم يتعرض لمضايقات ومناكفات من المحافظ لانتزاع هذا المشروع منه. أنا شخصيا وأى عاقل لا يصدق أن محافظا مثل اللواء مصطفى السيد صديق رجل الشارع فى أسوان، يدخل فى معركة مع استشارى مثل الدكتور حمزة، خاصة أنه ليس كأى استشارى، فالرجل عرفناه كعالم بعد المؤامرة التى تعرض لها بعد أن وضع بصماته على صدر مشروع مكتبة الإسكندرية. وكلمة حق أقولها، أن «أوربت».. وبالذات نجمها المحبوب عمرو أديب كان وراء شهرته، فقبل هذه القضية لم يكن معروفا جماهيريا.. صحيح أنه نجم بين زملائه، لكن الناس لم تكن تعرفه إلا من خلال قضيته فى لندن، وأذكر أننى وأولادى وأصدقائى كنا متعاطفين معه لأننا لم نتصور أن عالما مصريا فى مكانته يذهب إلى لندن بدعوة من الملكة وقبل الحفل يجد نفسه فى أحد السجون البريطانية بتهمة ملفقة بسب غيرة خصومه.. وإن كانت هذه القضية قد أكسبته شهرة عالية فى الشارع المصرى. ويبدو أن الفضائيات والأقلام التى ساندته فى قضيته جعلت «الأنا» عنده زيادة حبتين.. حتى أصبح لا يقبل نقدا ولا يتقبل رأيا يخالف رأيه.. وقد تكون له حجته فى ذلك لإحساسه بأنه أصبح عالما مشهورا.. من هنا حدث الخلاف بينه وبين محافظ أسوان الرجل المهذب الذى لا يعرف الغلط ويعطى كل ذى حق حقه فى الاحترام.. وكما فهمت أن الرجل لا يختلف على شخص الدكتور ممدوح حمزة.. لكن الخلاف بينهما من أجل الصالح العام.. للتأكد من سلامة المبانى حفاظا على أرواح المواطنين.. كلام المحافظ لا يشوبه أى خطأ فهو المسؤول عن أرواح الناس يوم أن تحدث الكارثة لا قدر الله.. سيكون المتهم الأول الذى لن يرحمه القضاء ولا الرأى العام.. ولا أعرف لماذا حتى هذه اللحظة لم تفهم هذه الأقلام وضع المحافظ قبل أن يصبوا هجومهم عليه وكأن الرجل جاء من إسرائيل وليس من مصر. لقد تمنيت أن يكون هناك عدل.. فليس معنى أن أكون صديقا لاستشارى كبير أن أصبح خصما لمسؤول لمجرد أن الناس تكره الحكومة، وكأن هذا المسؤول ارتكب جريمة عندما اعترض على نظرية هذا الاستشارى وهو يطالبه بتوفير ضمانات أمنية فى مشروع سكنى.. صحيح أنه ليس ملكا للمحافظة، لكن المحافظة مسؤولة عن متابعة تنفيذه فنيا وماليا على اعتبار أن تمويله من أموال المتبرعين.. فإذا كانت الدولة تبرعت بالأرض فإن كل ما يقام عليها يخضع لإشرافها وإلا أصبحت الحكاية «سايبة». الخلاف الذى دب بين الدكتور حمزة والمحافظ.. لا يفسد العلاقات بينهما.. فالمحافظ يرى أن أرض المشروع أرض طفلية ولابد من وجود أساسات عند إقامة المبانى.. لكن الدكتور حمزة على اعتبار أنه صاحب نظرية الحوائط الحاملة يرى أن التنفيذ على سطح الأرض صحيح علميا مادام هناك حوائط حاملة.. الدكتور على عبدالرحمن، وهو أستاذ استشارى له وزنه وكان رئيسا لجامعة القاهرة، والمسؤولون فى الإسكان رفضوا هذه النظرية فكان على المحافظ أن يتخوف ويأمر بوقف التنفيذ، فى حين أنه لم يعترض على خطط بناء تجرى الآن على أرضه فى محافظة أسوان.. بنك الإسكان والتعمير يقوم ببناء مائتى وحدة سكنية بدون ضجة إعلامية، و50 وحدة سكنية تقوم بتشييدها جمعية مصر الخير.. أما المشروع الكبير لجمعية الهلال الأحمر ببناء 400 بيت بنظام القرية النموذجية فقد عاينت السيدة سوزان مبارك عشرة بيوت منها قبل أن تضع حجر الأساس للمشروع منذ أسبوعين. كل هذه المشاريع لها استشاريون لم نسمع صوتا لأحدهم، وهناك سباق يجرى الآن على أرض المحافظة لإسعاد منكوبى السيول.. فلماذا الضجة الإعلامية عندما اعترض المحافظ على الطريقة التى يتم بها بناء مشروع «أوربت»، هل لأن الذى يقوم بالإشراف عليه بطل قومى يتمتع بشهرة عالمية ويرفض أن يقترب منه أحد لمجرد أن المشروع لأوربت وأنه هو شخصيا يحظى بحصانة إعلامية وأقلام تسانده وهى ترفض الاستماع لوجهة نظر الطرف الآخر. على أى حال المحافظ أبدى استعداده لإعادة التبرعات بالكامل لمحطة أوربت لكى تقوم بتنفيذ هذا المشروع فى محافظة أخرى.. عمرو أديب الذى كان صاحب الفضل فى تجميع 28 مليون جنيه فى سهرة واحدة لمجرد أنه يتمتع بشعبية غير عادية عند المشاهدين رفض هذا العرض وأيد المحافظ فى أن يكون للمحافظة الإشراف الفنى، ولا يمانع فى أن يشترك الجهاز المركزى معها فى الإشراف المالى حفاظا على أموال المتبرعين. القضية الآن انتقلت من ملعب أوربت وملعب المحافظة إلى ساحة القضاء فهل يتوقف الهجوم على الرجل حتى تصدر المحكمة حكمها ونتعرف على المعايير الهندسية التى يتم بها تنفيذ المشروع، أتمنى ذلك. المهم أن نعطى للطرف الآخر حقه. عند إطلاق أى صاروخ أرض أرض. [email protected]