تونى فوللر، ابن ال77 خريفا، لم يمنعه تقاعده 12 عاما من جمع أصحاب المعاشات من البار والمقهى، مع ربات البيوت، لتعطيل المرور بالضغط على زرار عبور المشاة فى قرية تشايدوك فى جنوب غرب إنجلترا، وعبورها ببطء (ممنوع تحرك السيارة بعد فتح الإشارة إذا كان أحد المشاة لايزال يعبر الطريق، والمخالفة قد تنتهى بالغرامة وربما الحبس)، وقبل تحرك السيارات يضغط عجوز آخر زرار الإشارة الحمراء. بلغ طابور السيارات المعطلة أربعة أميال (ستة ونصف كيلو متر) على الطريق السريع 35، الذى يربط ميناء إكستير بميناء بورنموث على بحر المانش جنوب غرب البلاد. واستمرت حركة الاحتجاج التى نظمها العجوز فوللر طوال ظهر الثلاثاء. بعض سائقى الكميون الذين تعطل أكل عيشهم، طلبوا البوليس..جاء مدير مرور مقاطعة ديفون، وحكمدار البوليس، وسيارات النجدة، ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا، فليس فى قوانين المرور ولوائح السير العام ما خالفه فوللر وشركاه ؛ بالعكس، اضطر البوليس لمنع السائقين الذين توترت أعصابهم من ضرب الكلاكس احتجاجا وإلا ستحرر لهم مخالفات الإزعاج (إطلاق الكلاكس أثناء وقوف السيارة، أو فى منطقة سكنية أو أثناء عبور مشاة أو ما بين الغروب والصباح فى لوائح المرور الإنجليزية مخالفة غرامتها تقارب 2000 جنيه مصرى وإشارتان خطأ على الرخصة - وست إشارات تعنى سحب الرخصة). الحكاية أن فوللر قبل عامين أرسل خطابات إلى المجلس المحلى للمقاطعة وإلى نائب البرلمان يحذر من أن زيادة حركة المرور على الطريق السريع المار بقلب القرية الصغيرة تزيد التلوث، وتسبب الإزعاج، ومرور كميونات الحمولة الثقيلة يؤثر على أساسات البيوت (بعضها عمره 500 عام أو أكثر)، ويشكل خطورة على الأطفال. المسؤولون رفضوا مقابلته، واكتفوا بوضع منطقة عبور مشاة، أولوية الإشارة فيها لزر ضغط المشاة الذى يغلق المرور فى ثلاث ثوانً. وبعد تكرار طلب فوللر وجيرانه مقابلة المسؤولين، والبحث فى تحويل الطريق؛ ولم يستجب أحد، قرر فوللر استغلال عبور المشاة لتعطيل المرور بشكل يلفت نظر الصحافة القومية وال«بى. بى. سى» وبالتالى نظر الأمة كلها. صحيح أن الطريق يعود إلى العصور الوسطى، لكن لم يكن فى العصور الوسطى، أو حتى منذ عشرين سنة كميونات بهذا الحجم وسيارات بهذه السرعة وحركة مرور بهذه الكثافة، مثلما قال فوللر، مؤكدا أنه يستمر فى حملته ومستعد لدخول السجن (محامو شركات النقل يبحثون رفع قضية ضده). فوللر مثال على حكاية تتكرر فى كل مدينة (مثل المحتجين على حرب العراق، الذين نصبوا خيمة أمام البرلمان منذ عام 2003 بلافتة تصف تونى بلير وبعده جوردون براون بمجرمى حرب، ولا يجد البوليس قانونا لإزاحتهم، وكذلك المحتجون أمام محال تبيع برتقالاً إسرائيلياً أثناء حرب حماس وإسرائيل فى غزة). الديمقراطية البريطانية هى الأعرق والأكثر كمالا، لكن الإنجليز لا يكتفون بممارستها فى صناديق الانتخاب، بل يتحركون كمجموعة صغيرة فى قرية أو حى عندما يجدون شيئا خارج عن المالوف يؤثر سلبيا على حياتهم أو فيه تحديد لحريتهم فى الاختيار (كخضرواتية وفكهانية يرفضون استخدام الكيلو والجرام التى فرضها الاتحاد الأوروبى ويزنون بالرطل والوقية، والآلاف يتبرعون بدفع المخالفة التى تحررها البلدية لهم يوميا). ولم تخرج مظاهرة واحدة أبدا تطالب بسقوط رئيس الحكومة أو إزالته، بل يتخذ الإنجليز الخطوة المؤثر، إما فى المحكمة، أو بالعريضة لنائب البرلمان، أو بالعمل المباشر ببرود وأدب جم (دون التخريب فى الممتلكات أو السباب)، الذى غالبا ما ينتهى بإصدار قانون يحمى مصلحة الناس التى من أجلها بدأ الاحتجاج.