انتظر الشعب المصرى خطاب الرئيس مبارك أمس، مثلما لم ينتظر أى خطاب سابق له، وذلك لعدة أسباب، أولها: أنه أول خطاب يلقيه الرئيس على الهواء مباشرة، بعد غياب طال لأكثر من شهرين نتيجة مرض ألم به، واستدعى جراحة كبيرة تطلبت فترة نقاهة استمرت أسابيع، لذا كانت حاجة الشعب ماسة للاطمئنان مباشرة على صحة رئيسه. وثانيها: أنه يأتى فى لحظة من أشد لحظات التاريخ الاجتماعى قسوة، فقد وصل تدهور مستوى المعيشة فى مصر حداً دفع ملايين من مواطنيها إلى ما وراء خط الفقر، نتيجة للارتفاع المطرد للأسعار خلال السنوات الثلاثين الماضية، هى فترة حكم الرئيس مبارك، وعدم زيادة الأجور بالمعدلات نفسها، مما أضفى أهمية قصوى على قضية الحد الأدنى للأجور وصدور فتوى من مجلس الدولة تقضى بضرورة ألا يقل عن 1200 جنيه شهرياً. لذا توقع عمال مصر أن يقول رئيسهم شيئاً يطمئنهم على أحوال معيشتهم المتدنية. وثالثها: أنه يأتى فى لحظة تعد من أشد لحظات التاريخ المصرى قلقاً على المستقبل. فالحياة السياسية فى مصر تشهد حراكاً غير مسبوق يطالب بإجراء تعديلات دستورية وضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. ولأن لهذا القلق أسباباً وجيهة، فى مقدمتها أن الرئيس مبارك، الذى تجاوز عمره الآن 82 عاماً، يحكم مصر منذ ثلاثين عاماً متواصلة ولم يعد لديه من جديد يقدمه، خصوصاً إذا ما قرر ترشيح نفسه لفترة ولاية سادسة تنتهى فى 2017 يصبح عمره عندها على مشارف التسعين، فمن الطبيعى أن تصر القوى الوطنية الآن على إحداث تغيير يفضى إلى تحول ديمقراطى بالطرق السلمية. اطمأن شعب مصر، نسبياً، على صحة رئيسه، وتفهم دوافع حرص المسؤولين على اختصار وقت الحفل والخطب، غير أنه لم يشعر بنفس الاطمئنان أو الارتياح إزاء مضمون الخطاب. فعلى الصعيد الاجتماعى، لم يتطرق الخطاب مطلقاً لقضية الحد الأدنى للأجور، بحجة ضرورة ربط الأجر بالإنتاجية، متغافلاً أن المشكلة تكمن فى اختلال وعدم عدالة هياكل الأجور، التى تعطى للقلة نسبة عالية لا تتناسب مطلقاً مع إنتاجيتها وتحرم الأغلبية من حقوقها المشروعة، وحرص على الحديث عن مؤشرات دولية تؤكد قوة ومتانة الاقتصاد المصرى، مغفلاً فى الوقت نفسه مؤشرات دولية أخرى أهم تتعلق بتفشى الفساد وتدنى مستوى الحريات. وعلى الصعيد السياسى، لم يقدم الرئيس ما يطمئن شعب مصر على مستقبله، وكرر تحذيراته لقوى الحراك السياسى، رغم ترحيبه اللفظى بها، وحملها مسؤولية ما قد يحدث عنه من فوضى. ونسى السيد الرئيس وهو يتحدث عن استقرار الدستور أن الحزب الوطنى عدل المادة 76 مرتين عامى 2005 و 2007 لتفصيلها على مقاس الحزب والابن. كنا نتمنى أن يتبنى السيد الرئيس موقفاً أكثر مرونة، وأن يستجيب للمطالب المشروعة والعادلة فى انتخابات حرة نزيهة وشفافة، ونؤكد له أن الفوضى التى تلوح فى الأفق فى مصر سيتسبب فيها عناد الحزب الحاكم وليس حمق قوى المعارضة.