وجدته فجأة أمامى، كائناً شفافاً رقراقاً حزيناً. على الفور أدركت أننى فى حضور مخلوق غير بشرى، ليس شيطانا ولا ملاكا، لا توجد عليه مسحة شر، ولا تشرق فيه هالة نور. لكن- بصرف النظر عن المسميات- فقد أحسست بأننى فى حضرة مخلوق حزين. (قلت: داخلا فى الموضوع مباشرة) إنت مين؟- (قال فى أدب): أنا شبح- (قلت على الفور فى استمتاع) يا سلام! كويس جداً، من زمان وأنا نفسى أقابل شبح وأدردش معاه- (قال ممتعضاً) أنا مش جاى أدردش. أنا عاوزك فى موضوع مهم- (قلت متوسلا) أرجوك.. دى فرصة مش حتتكرر تانى، كلمنى عن نفسك، إنتم ملايكة ولا شياطين؟ جن ولا أرواح ميتين؟. (قال الشبح وهو يسرح فى ملكوت الله) إحنا مش أى حاجة من دول، إحنا خلق من خلق الله الهايمين فى الكون الواسع. (قلت بسذاجة) ياه! هو الكون ده مش بتاعنا لوحدنا!- (قال وهو يكتم ضحكة) الكون يضج بالحياة، وفى كل شبر حواليكم كائنات خفية ماتعرفوش عنها حاجة. (قلت فى خشوع) سبحان الله- (فقال فى خشوع أشد) كون عظيم يدل على اللى خلقه- (قلت وقد استهوانى الحديث) كلامك حلو، كمل- (قال فى رصانة) غرور الإنسان بيهيأ له إن اللى مش شايفه أو سامعه أو حاسه غير موجود. طبعاً ده مش حقيقى. مشكلة الإنسان إن معرفته محدودة بحواسه، ولو عندكم حواس أكتر كنتم عرفتم أكتر. تخيل لو كنتم محرومين من حاسة السمع كنتم حتصدقوا إن فيه حاجة اسمها صوت! (قلت وأنا أتنهد) كلمنى عن الكون؟ - (قال فى غموض) أى كون فيهم؟- (قلت فى ذهول): هو فيه أكتر من كون؟- (قال ساهما) الله أعلم، محدش يعرف. الكبر والصغر مسألة نسبية، يعنى ممكن تكون الشمس والنجوم والأرض الواسعة دى مجرد ذرات فى جسد مخلوق عملاق خرافى الأبعاد. وبالعكس ممكن تكون إنت «كون» بالنسبة لمخلوقات صغيرة جداً مستحيل تشوفها أو تشعر بوجودها، بتعيش وتموت ماتعرفش عنك حاجة ولا أنت عارف عنها حاجة. ممكن يكون داخلك حياة كاملة فيها ناطحات سحب وناس ماشيين على الأرض وطيارات، بس حجمهم ضئيل جداً، لا يمكن تشوفه. الله أعلم، ملكوت بيدبره سيده، إحنا نعرف منين؟- (قلت وقد اقشعر جسدى من الفكرة)، سبحان الله العظيم. (قال وقد تحول فجأة من الرومانسية إلى السوقية الشديدة): دلوقت ندخل فى الموضوع اللى أنا جايلك عشانه، أنا عاوزك تكتب عن معاناة الأشباح المصرية. إحنا طالع عين أبونا فى (أم) البلد دى، وبصراحة كده دى مش أصول. يا للهول! حتى أشباح مصر تعانى إلى هذا الحد!- قلت فى فضول: أرجوك كلمنى عن مشاكلكم. (غدا تعرف المأساة).