(تمثيلية من 3 فصول تناقش المعادلة المستحيلة: المصريين عايشين إزاى؟!) لم أعد أدرى ماذا يحدث لى هذه الأيام!.. كلما ركبت الميكروباص وجدت جوارى كائناً فضائياً، حتى بدأت أعتقد أن الثمانين مليون مصرى، بمن فيهم أنا، فضائيون! الحكاية بدأت فى الميكروباص كالعادة (تقريباً لا أصنع شيئاً آخر).. رجل عادى المظهر تماماً، لا يوجد ما يميزه، طلب منى بمجرد ركوبه أن أنبهه قبل محطته، لأنه غريب عن البلد، ثم التزم الصمت التام وكأنه يفكر فى مسائل معقدة. لابد أننى أتوهم أو أن زجاج نظارتى يحتاج المسح، لأنى شاهدت بخاراً يتصاعد من أذنيه حينما استغرق فى التركيز. حتى الآن كانت الأمور تسير بشكلها الطبيعى حتى بدأ الجزء العجيب من حكايته، إذ إنه حين سألنى عن الأجرة المطلوبة وقلت إنها خمسة وأربعون قرشا، أخرج جنيها فناوله للسائق الذى أعطاه بدوره نصف جنيه، وبدا لى أن جارى الصموت ينتظر الخمسة قروش المتبقية، التى كنت أعلم أنها- بطبيعة الحال- لن تأتى أبدا. وحينما طال انتظاره وانشغل السائق بأشياء أخرى بدا متململا ومرتبكا لفترة ثم قال: 100- 45 = 55 - يعنى إيه؟ (قال السائق فى دهشة) - يعنى باقى الفلوس فين؟ فين الخمسة صاغ الباقية؟(تطوعت أنا بالتفسير) - كده مظبوط، معاك نص جنيه (قال السائق) - 100- 45 = 55 (عاد جارى يكرر) لم يتعاطف معه أحد، حتى الركاب اندهشوا من بخله، أما السائق الذى اعتاد اعتبارها من حقه فقد قال فى احتقار: مفيش فكة. فعاد جارى يكرر: 100- 45 = 55 ضحكت فى حرج، وبدأت همهمة خفيفة تتصاعد بين الركاب، سيدة بدينة ترتدى الخمار، ويصعب تخمين عمرها مصمصت شفتيها فى حسرة، وقالت: هما الخمس قروش بيشتروا حاجة دلوقت يا أستاذ؟!. استمع إليها جارى الصموت فى تركيز وكأنه يحاول الفهم، ثم عاد يقول: 100- 45 = 55 وبينما هو يكرر المعادلة نفسها جاءت محطته، لكنه رفض النزول حتى يأخذ الخمسة قروش، لأنه قال: ما ينفعش أنزل، لازم 100- 45 = 55 - بس عشان ترجع نفس المكان حتركب تاكسى بعشرة جنيه - مش مهم. 100- 45 = 55 غير كده ما ينفعش. وتعالت ضحكات الركاب من غرابة أطوار رجل يقبل بدفع عشرة جنيهات من أجل استرداد خمسة قروش، أما أنا فبحكم خبراتى السابقة فقد أدركت على الفور أن هذا الرجل ليس بخيلا ولا مجنونا، ولا حتى مصابا بوسواس قهرى، هذا الرجل ببساطة مخلوق فضائى قادم من كوكب آخر، لذلك لم أضيع وقتا وإنما قلت له مباشرة: - وحضرتك بقى جاى من أى كوكب؟ (استعد للمفاجأة الرهيبة غدا)