فى يقينى أن الحب الشامل أراه الأساس القوى المتين لنهضة بلادى، وللأسف فإنه غير موجود فى حياتنا، وإذا جاء الكلام عنه كان مقترناً غالباً بالغرام والهيام وسهر الليالى، مع أنه أكبر وأعظم من ذلك بكثير. وإذا سألتنى ما الذى أقصده من الحب الشامل، كانت إجابتى أنه تلك العاطفة التى «تشمل» الكون كله ابتداء بصاحبه خالق السموات والأرض حتى النبات والجماد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال عن «أحد» إنه جبل نحبه ويحبنا، وكان المسلمون قد تشاءموا منه عندما لقوا الهزيمة بالقرب منه فى تلك الموقعة التى سميت باسمه. وحتى تتأكد حضرتك من أن هذا الحب مفتقد فى حياتنا تعال معى فى إطلالة حول واقعنا، ونبدأ بحب ربنا حيث ترى الناس فى بلادى أربعة أقسام لا خامس لها. الفريق الأول لا يعطى لهذا الحب أى أهمية، بل يراه أمراً ثانوياً فى حياته، ولا ينعكس على أخلاقه وسلوكه، بل كله كلام فى كلام والعرب ملوك البلاغة! وإذا صلى تجده «يخطف الركعات» أو يصلى أى كلام فى الكنيسة، فلا تستطيع أن تقول عنه أبدا إنه متدين، بل تنطبق عليه الآية القرآنية التى تقول: «أرأيت من اتخذ إلهه هواه»؟ وهو تعبير قرآنى رائع أعجبنى: فهو يمشى فى الدنيا بمزاجه وتحكمه مصالحه، رافعا شعار «أنا وبعدى الطوفان». وإلى جانب القسم الأول البعيد عن الدين نجد قسماً آخر من أصحاب التدين الشكلى وهو واسع الانتشار فى بلادنا، ويزعمون أنهم متدينون مع أنهم من وجهة نظرى تعبير رائع لما يطالب به العلمانيون، من فصل الدين عن الدولة، وكل مناحى الحياة، فهو عند هؤلاء علاقة شخصية بين الإنسان وربه، فلا صلة له بأخلاقيات الأرض، بل يعبد ربنا حتى يفوز فى الآخرة. وأصحاب التدين الشكلى تطبيق عملى لمقولة الدين علاقة شخصية بين الإنسان وربه، وإذا نظرت إلى الفتيات على كورنيش النيل وشواطئ الغرام فستجد أغلبيتهن من المحجبات، فالتدين لم ينعكس على أخلاقها، بل هو علاقة شخصية بينها وبين ربها، فهى تعبد الله على طريقة الخواجات حيث هناك فصل كامل بين علاقتهم بالسماء ونظامهم على الأرض، ولكن عندهم أخلاق غير موجودة عندنا: فإذا عرفنا التدين الصحيح تفوقنا عليهم بالتأكيد وصدق من قال إنما تنهض الأمم بالأخلاق! والنوع الثالث يسىء إلى إسلامنا الجميل بطريقة أخرى تتمثل فى التشدد فهو يقدم صورة سيئة جداً لتعاليم الإسلام على أرض الواقع، وصدق القرآن الكريم القائل فى هذا الصدد: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وهذا التوجه أيضاً تجده فى الطرف المسيحى مع أن السيد المسيح كان يدعو دوماً إلى الحب. والنوع الرابع الذى يعرف الحب الحقيقى تجد ترتيبه بالتأكيد «ورا» بعد الفئات الثلاث التى ذكرتها، ومواصفاته تحتاج إلى مقال مستقل، ولذلك أكتفى بالإشارة إليه بمقولة خالدة للإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه الذى قال: «حال رجل فى ألف رجل خير من كلام ألف رجل لرجل»، وتعنى أن إنساناً سلوكه العمل قادر على التأثير فى ألف شخص لأنه صورة حلوة للتدين وكل ما هو جميل فى حياتنا، فهذا أفضل من مجرد وعظ ألف داعية لرجل واحد فلن يأتى بنتيجة تذكر ولذلك أرجوك أن تتأمل تلك الحكمة أكثر من مرة حتى ألقاك فى المقال القادم بإذن الله.