صوت الضمير

الفنان «مأمون المليجى» ظاهرة فنية لم يتوقف عندها البعض، يشبهنا إلى حد التطابق. هو صوت يحمل نفس الوجع، نفس الحلم، مواطن غاضب من التدين الشكلى، رافض لثقافة التجويع ومصادرة الحريات. لا يغنى الديمقراطية من برج عال، بل يحارب من أجلها مع الرقابة على المصنفات الفنية.
الرقابة ترتعد أمام غنوة مثل: (الحلوة دى قامت تعجن مالقتش دقيق)، بزعم أنها تدعو لإثارة الرأى العام!!. وفى كل خطوة فنية يدفع «مأمون» ثمن مواقفه خصما من حضوره الإعلامى، ويقبل قانعا باستبعاد كليباته «خير البرية» وهى فى مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكليب «الشوارع» من العرض فى تليفزيون الدولة.. الإعلام الرسمى يعاقب مأمون على أغنية «بحر الخوف» التى تنعى ضحايا العبارة!!
فيما يحتضن «أبوالليف» و«شعبولا».. إنها ثقافة «التغييب»، وهى أكثر تأثيراً فى وعى الشباب من «المخدرات»!. مشكلة «مأمون المليجى» أنه صوت ذو قضية، والدول لا تريد أن تسمع نبض الناس المطحونين، صوت يفرض إرادة الحب والحياة رغم الحزن.. ساخر، ناقد لكل الأوضاع السلبية، أنصت حين يغنى ل«بلدنا»: (النار مسكت فى ضفايرك وبدمع العين طفيناها/ والسوس مرصوص على زرعك والقمحة استوردناها/ وابن الدايرة اللى حلفلك.. اتنكر ليكى ولهفك باعك واندار على نخلك.. ياكل أكل الزغاليل)!. «مأمون» هو الامتداد الطبيعى لمدرسة فنان الشعب «سيد درويش»، منتمٍ لوطنه ومؤمن بناسه.
وفى بعض ملامحه أقرب ما يكون للثائر «مارسيل خليفة» الذى يعد علامة بارزة فى تاريخ «المقاومة بالغناء».. إنها مدرسة ترى وجه الوطن حتى فى عبارات الغزل، وتهدى للحبيبة فنا نابعا من «الحزن».
«مأمون» ليس درويشا فى «زفة الخليفة» ولا من مهاويس «البرادعى»، إنه يؤمن أن إرادة التغيير تنبع من الشعب نفسه: (ياللى عايش بين همومك والحذر/ اعدل الصورة وركز بالنظر/ حتلاقيك إنت الإمام المنتظر/ وتلاقيك إنت اللى واقف بانتظارك). إنه يغنى بإحساس صوفى، وصوت عاشق، وحنجرة ثائر.. ترى هل لذلك لم تعرف خطواته طريقها إلى «ماسبيرو» أو إلى دار الأوبرا؟؟.
تجربة «مأمون المليجى» تجربة جيل فشل فى «الانحراف»، اختار تقديم الفن الهادف فى زمن «التهييس»، وتلك هى المشكلة!. فى زمن من يتاجرون بالأغانى الوطنية، ويعتبرونها «سبوبة موسمية»، يكسر «مأمون» حاجز الصمت ليقول: (قبطية ولاّ مسلمة أقفى واتحدى الزمان/ معزولة ليه ومسلمة سايبة ولادك للطوفان/ ضمى هلالك والصليب.. تلقى البعيد يصبح قريب/ اصحى فى الوقت العصيب.. من قبل ما يفوت الأوان)!.
ما أصعب أن تغنى هموم البسطاء، وجراح الوطن، أن تناضل بصوتك.. دون أن تنتظر شهرة ولا نجومية!. حتى لو توجوك ملكا فى حفلات «ساقية الصاوى»، واحتكرت نجومية «اليوتيوب والفيس بوك»!. ما أصعب أن تغنى «العدل» لوطن ضنين، أن تكون صوت المقهورين فى وطن محاصر بالقهر!. إنه قدر الفنان، حين يكون إنساناً.