لم تفق السوق بعد من صدمة ثورة الحديد بالارتفاع القياسى فى أسعاره والتى توالت أخبارها القوية اليومين الماضيين فى أسواق العالم. عاد المنتجون والموردون وتجار الحديد - الذى يعد «عصب الصناعة» مثلما يعد القمح عصبا لحياة الإنسان - جميعهم إلى سلوك «التسعير العشوائى» فى محاولة لاستعادة الزيادة فى التكلفة الحقيقية للمنتج على اعتبار أنهم عانوا طوال 2009 من طرح إنتاجهم بأسعار بعيدة عن التكلفة الكاملة بما فيها تكلفة استثمار أموالهم فى تلك الصناعة، وربما يكون معهم حق وربما يكونون مخطئين لاعتبارات مرتبطة بالمتغيرات العالمية والطبيعة المحلية لكل بلد، فما يصلح كمبررات منطقية فى أمريكا لا يصلح للغرض نفسه فى مصر أو السعودية أو حتى الصين وتركيا، وما يمكن أن تسلكه الحكومة فى أمريكا فى مثل هذه الأحوال قد لا يصلح فى دول أخرى، وما يعد مقبولاً لدى الحكومات والرأى العام والمستثمرين من تحركات فى مواجهة مثل هذه الظواهر فى بلد ما قد يكون مرفوضاً فى بلدان أخرى على مستوى الأطراف الثلاثة كلها أو بعضها. الشىء الذى يتفق عليه الجميع أنه لم يعد أمام المنتجين إلا خيارين متضادين فى ظل ما يحدث فى السوق... فإما أن يقبل المنتجون أن يتحملوا عدم زيادة أسعارهم نيابة عن المستهلكين، وهو سيناريو بعيد المنال، فجميعهم واثقون من أنهم قاموا بتسعير إنتاجهم بغير ما يريدون نتيجة الأزمة التى طالت القطاعات الصناعية وحالة الركود والكساد التى ضربت صناعة السيارات وغيرها، أما الخيار الثانى المضاد للأول فهو تجاوز معاناة 2009، باستعادة التكلفة الحقيقية للإنتاج شاملاً تكلفة استثمار الأموال، وباعتبار أن هناك تكلفة زادت بالفعل، وهو ما أكده «لاكشمى ميتال» فى تصريح له أمس الأول فى «البيزنس ويك»، إحدى المجلات الأمريكية المتخصصة، وهو مؤسس مجموعة أرسيلور ميتال العالمية المنتجة للحديد، أكبر منتج فى العالم بطاقة 120 مليون طن ينتجها فى 27 دولة، قال لاكشمى: إن أى تكلفة إضافية فى إنتاج الصلب ستحال للعملاء (أى سيتحملها المستهلك) إذن قد يكون العالم مقبلاً على فورة جديدة لأسعار الحديد، لكن السؤال الذى يطرح نفسه: هل الفورة ستطال كل السلع أم تتوقف عند الحديد والصلب ومنتجاته؟ وما بين تصريحات «ميتال» إمبراطور الحديد وتوقعات بيتر ماركوس، أشهر خبراء اقتصاديات تلك الصناعة، حيث توقع الأخير حالة فوران لأسعار الحديد يونيو المقبل _ وتحققت توقعاته مبكراً - لكنه توقع أيضا التراجع لمستوياتها الطبيعية أكتوبر المقبل مع عودة كل المصانع فى العالم للإنتاج بكامل طاقتها _ وما بين الاثنين تتأرجح الأسعار وتتوه التوقعات ويسود التسعير العشوائى ولا أحد يدرى توقيت النهاية لكل هذا، ولا أحد يدرى إلى أى مدى تتحرك الأسعار ويخطئ من يتوقع الصعود أو الانهيار الكبيرين، والتصريحات والتوقعات وردود الأفعال السابقة والمعاصرة واللاحقة للأزمة المالية العالمية تؤكد هذا.. إنها فترة الريبة لما بعد الأزمة... الجميع يراجع ويصحح اتجاهاته وهذا شىء مؤكد... والاحتمال الأرجح مع المراجعة أن تختفى الارتفاعات والتكاليف الوهمية لكل الأشياء، سواء كانت أسعاراً لسلع عينية أو ورقية أو خدمية لتعود إلى قيمها المتوازنة.