يقف السودان على أعتاب أزمة سياسية جديدة مع تهديد المعارضة بمقاطعة الانتخابات الوطنية المقررة فى 11 أبريل الجارى، والتى تعتبر أساسية بالنسبة للرئيس عمر البشير، الذى يأمل فى تلميع صورته وكسب الشرعية، فى الوقت الذى يواجه فيه مذكرة توقيف بحقه صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى إقليم دارفور المضطرب. فبينما يستعد السودان البلد الأكبر فى أفريقيا والذى يعانى من انقسام بين شماله المسلم وجنوبه المسيحى والأرواحى بين 11 و13 أبريل لإقامة أول انتخابات متعددة - تشريعية ومحلية ورئاسية - منذ 24 عاماً، والتى تعد أيضاً بمثابة أول اختبار انتخابى حقيقى للبشير الذى تولى السلطة فى 1989 إثر انقلاب عسكرى، تتجه المعارضة السودانية نحو مقاطعة شبه كاملة للانتخابات الرئاسية، التى تعتبرها «مزورة» سلفاً، تاركة الرئيس السودانى مرشحاً وحيداً تقريباً فى السباق. وقد شهدت الساحة السياسية السودانية تصعيداً، أمس الأول، مع إعلان أبرز منافسى عمر البشير، ياسر عرفات، المسلم العلمانى المتحدر من شمال السودان، مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان (متمردو الجنوب سابقاً)، انسحابه من السباق الرئاسى، ليخلو السباق الرئاسى من أى تشويق، حيث يصبح بذلك عدد المرشحين الباقين فى السباق مع البشير 10 أشخاص، لكن الكثير منهم يفتقر إلى الشهرة والإمكانيات. وأكدت الحركة الشعبية - التى تشارك كأقلية فى حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية التى يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطنى بزعامة البشير- أنها ستقاطع الانتخابات فى إقليم دارفور، الذى يشهد صراعاً مستمراً منذ 7 سنوات، لتتراجع عن تهديد سابق بالانسحاب من الانتخابات فى الشمال تماماً تضامناً مع أحزاب المعارضة. كان الجنوبيون قد تعهدوا بالبقاء متضمانين مع المعارضة، لكنهم لا يستطيعون التسبب بالإساءة إلى الاستفتاء الأساسى المرتقب فى يناير 2011 حول انفصال جنوب السودان، حيث قال البشير محذراً هذا الأسبوع «إذا رفضت الحركة الشعبية إجراء الانتخابات سنرفض إجراء الاستفتاء ولن نقبل تأجيل الانتخابات حتى ليوم واحد»، فى رسالة واضحة للحركة الشعبية لكى تنأى بنفسها عن قوى المعارضة، المتمسكة بمطلب تأجيل الانتخابات إلى نوفمبر المقبل. وبعد إعلان «عرمان» انسحابه، أعلن مبارك الفضيل، العضو فى حزب الأمة، أن أحزاب المعارضة لم تعلن رسمياً مقاطعة الانتخابات الرئاسية، لكنها قد تفعل ذلك خلال ساعات، وهو ما سيحدده اجتماع فى «أم درمان» يضم الحركة الشعبية وقوى المعارضة، وأوضح الفضيل أن المعارضة حتى وإن قاطعت الانتخابات الرئاسية، فهى ستشارك فى الانتخابات التشريعية والمحلية، مضيفاً «لدينا خياران: توحيد لوائحنا أو المقاطعة». ودعمت منظمات دولية مثل «مجموعة الأزمات الدولية» و«العفو الدولية» مواقف المعارضة بتشكيكها فى إمكانية إجراء انتخابات تتمتع بالمصداقية، فيما صدر، أمس الأول، بيان مشترك عن واشنطن وبريطانيا والنرويج جاء فيه «نحن قلقون للغاية من تقارير عن استمرار وجود تحديات إدارية ومتعلقة بالنقل والإمداد وكذا القيود على الحريات السياسية»، وأضاف «بغض النظر عن نتيجة الانتخابات» من الضرورى أن يمضى استفتاء يناير 2011 فى موعده. ورأى محللون أن انسحاب عرمان سلم فعليا السباق الانتخابى للبشير، وأنه قد يكون جزءاً من صفقة مع حزب المؤتمر الوطنى لضمان إجراء استفتاء استقلال الجنوب الذى ينص عليه اتفاق السلام، لكنهم يعتبرون أن مقاطعة المعارضة للانتخابات يمكن أن تضر بأى زعم من قبل البشير بأنه انتخب فى انتخابات ديمقراطية تماماً. واعتبر رولان مارشال، المتخصص فى شؤون السودان فى معهد العلوم السياسية بباريس، أن سحب ترشح عرمان «طريقة للتضامن مع المعارضة فى الشمال، التى تريد المقاطعة مع الإبقاء على سيطرة الحركة الشعبية على جنوب السودان»، واعتبر مارشال «أن نقطة الضعف الكبيرة للمعارضة تتمثل فى عدم قدرتها على الاتفاق على دعم مرشح واحد ضد البشير».